للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جميعاً، والتمر والزبيب جميعاً (١)، وما أشبه ذلك، وهذه مسألة ما علمت لها وجهاً إلى الآن. فإنه إن كان المحرم الإسكار فدعه يخلط ما شاء ويشربه في الحال، فأما غير ذلك فليس فيه إلا الإنقاع حتى أني قد رويت في ذلك مسألتين غريبتين:

الأولى: أن ابن القاسم (٢) قال: لا يجوز أن ينبذ البسر (٣) المذنب والرطب (٤)، وهو الذي يُرى الإرطاب في ذنبه وصدق لأنه من باب الخليطين.

الثانية: أن محمَّد بن عبد الحكم (٥) أجرى النهي في الخليطين على عمومه حتى منع منها في شراب الطيب (٦)، وهذا جمود عظيم على الألفاظ.

فصل الحد فيها: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - (يَجْلِدُ فِي الْخَمْرِ بِالنِّعَالِ وَالْجَرِيدِ (٧) وَالثِّيَابِ مِنْ غَيْرِ تَحْدِيدٍ وَلَا تَقْدِيرٍ)، إلا أن الصحابة، رضي الله عنهم، قدَّروها بالأربعين، واستمرت الحالة على ذلك خلافة أبي بكر، رضي الله عنه، فلما تتابع الناس في زمن عمر، رضي الله عنه، استشار في حد الخمر، فقال له علي، رضي الله عنه: (إِذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا


(١) الموطّأ ٢/ ٨٤٤ (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَّارٍ أَنَّ رَسُولَ الله، - صلى الله عليه وسلم -، نَهَى أَنْ يُنْبَذَ الْبُسْرُ وَالرَّطْبُ جَمِيعاً وَالتَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعاً ..) قالَ ابن عبد البر: وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هُرَيْرَة. تنوير الحوالك ٢/ ٥٦، وانظر المصنف ٩/ ٢١٦.
ورواه الشيخان من طَرِيق ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ ابْنَ عَبْدِ اللهِ، رَضِيَ الله عَنْهُ، يَقُولُ: نَهَى النَّبِيُّ، - صلى الله عليه وسلم -، أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّهْوِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ .. البخاري في الأشربة باب من رأى أن لا يخلط البسر والتمر إذا كانا مسكرين ٧/ ١٤٠، ومسلم في الأشربة باب كراهية إنباذ التمر والزبيب مخلوطين ٣/ ١٥٧٤.
(٢) تقدمت ترجمته.
(٣) البسر: التمر قبل إرطابه. ترتيب القاموس ١/ ٢٧٠.
(٤) أرطب النخل: حان أوان رطبه. ترتيب القاموس ٢/ ٣٥٠.
(٥) تقدمت ترجمته.
(٦) نقله الحافظ في الفتح وعزاه لابن عبد الحكم ناقلاً عن الشارح. فتح الباري ١٠/ ٦٩، وقال الأبي: وقد أبعد من أصحابنا من منع الخلط بينهما في التخليل، وهذا إنما يليق بمذهب من لا يعلل، ويلزمه أن يمنع خلط العسل باللبن وشراب الورد والبنفسج. شرح الأبي على مسلم ٥/ ٣١٦.
(٧) متفق عليه. البخاري في الحدود باب ما جاء في ضرب شارب الخمر ٨/ ١٣٢، ومسلم في الحدود باب حد الخمر ٣/ ١٣٣١ كلاهما من حديث أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ، - صلى الله عليه وسلم -، جَلَدَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنَّعَالِ ثُمَّ جَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعينَ، فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ وَدَنَا النَّاسُ إلى الرِّيفِ وَالْقُرَى قَالَ: مَا تَرَوْنَ فِي جَلْدِ الْخَمْرِ؟ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بْنُ عَوْفٍ: أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا كَأَخَفِّ الْحُدُودِ، قَالَ: فَجَلَدَ عُمَرُ ثَمَانِينَ. لفظ مسلم.

<<  <   >  >>