للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مشقة، ولا خلاف بين الأمة في أنَّ من من أكدَّها بمعظم المشقة أنها تلزمه مثل أن يقول: إن دخلت الدار أو إن مشيت إلى مكة، أو إن كلّمتُ فلاناً فامرأتي طالق. واستقر الدين على ذلك حتى قام رويبضة (١) فقال: إن هذه ليست بيمين ولا تلزم (٢)، وقد استوفينا عليه الدليل في كتب مسائل الفقه، وبيَّنا أن الإِنسان على نفسه بصيرة، وقد التزم مؤجلاً ما له أن يعجِّله وقوله بذلك صالح وذمته صحيحة، ثم تركَّب على هذا الأصل أصلٌ آخر اختلف العلماء فيه وهي إذا قال لامرأته: إن تزوجتك فأنت طالق. واختلف العلماء في هذا؛ فمنهم من قال: إنه يلزمه لأنه ربط بنفسه إليه وعقده عليه وعلَّقه بالنكاح فلزم كما لو علَّق الطلاق بدخول الدار في الزوجة، قال به الكوفيون (٣)، وهو معظم مذهب مالك، رضي الله (٤) عنه. وقالت طائفة: هذا قول (٥) باطل وإنما تعلق الطلاق في الزوجة بدخول الدار لأنه معجل في يده مجاز له أن يؤخِّره، أما إذا قال لأجنبية: إن تزوجتك فأنتِ طالق، فهذا طلاق ليس في يده منه شيء في الحال، فكيف يؤخِّره أويعلِّقه فيكون متصرفاً فيما لا يملك، وقال به مالك في ثلاثة (٦) مواطن مفتياً (٧)، وهو مذهب سعيد بن المسيب (٨) وكثير من أهل المدينة، وهو


(١) الرويبضة تصغير الرابضة وهو الرجل التافه، أي الحقير، ينطق في أمر العامة .. ترتيب القاموس ٢/ ٢٨٨.
(٢) لعل الشارح يقصد بذلك داود أو غيره من أهل الظاهر، وهذه حدة منه، رحمه الله، لا تنبغي. قال ابن رشد: ذهب داود وأهل الظاهر إلى أنه ليس يلزم في مثل هذه الأقاويل، أعني الخارجة مخرج الشرط، إلا ما ألزمه الإجماع من ذلك، وذلك أنها ليست بنذور فيلزم فيها النذر، ولا بأيمان فترفعها الكفَّارة، فلم يوجبوا على من قال إن فعلت كذا وكذا فعلي المشي إلى بيت الله مشياً ولا كفارة. بداية المجتهد ١/ ٣٠١.
(٣) هذا مذهب الأحناف، انظر شرح فتح القدير لابن الهمام ٤/ ٢٥.
(٤) قال الباجي: يريدون .. إن تزوجتك فدخلت الدار فأنت طالق، فيضيف الطلاق إلى النكاح. المنتقى ٤/ ١١٥، وانظر قوانين الأحكام الشرعية لابن جزي ص ٢٥٦ - ٢٥٧، والكافي ٢/ ٥٧٨، وبداية المجتهد ٢/ ٥٩.
(٥) لم أطَّلع على قائل هذا القول.
(٦) في (ك) و (م) تلاه مالك مفتياً.
(٧) قال الباجي: روى ابن وهب عن مالك أنه أفتى رجلاً حلف إن تزوج فلانة فهي طالق أنه لا شيء عليه إن تزوجها. قاله ابن وهب ونزلت بالمخزومي، فأفتاه مالك بذلك. قال الباجي: وليست هذه الرواية بالمشهورة، والمشهور رواية أي زيد عن ابن القاسم في العتبية إن وقع، والدليل على ما نقوله إنه أضاف الطلاق إلى النكاح فوجب أن يلزمه. المنتقى ٤/ ١١٥.
(٨) انظر فقه سعيد بن المسيب، رسالة دكتوراه لهاشم جميل عبد الله ٣/ ٣٤٤ - ٣٤٥، والمدونة ٦/ ٢٨، والمحلّى ١٠/ ٢١٤، وشرح السنة ٩/ ١٩٩.

<<  <   >  >>