للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمة بملك اليمين، وقد كان فارقها بطلقة واحدة، فإنه يطأها إجماعاً, لأن المحل مباح للوطء إذا وجد سببه، فأما إن فارقها ثلاثاً ثم عادت إليه فاختلف الناس في ذلك والأقل جوز له الوطء بملك اليمين (١) والأكر منعه (٢) لأنه محل حرّم عليه وطؤه إلا بشرط معين وهو نكاح غيره ولم يوجد ذلك الشرط فيبقى التحريم.

فإن قيل: هذا الحل ليس حل النكاح وإنما هو حل ملك اليمين، وحل ملك اليمين لم يقف على شرط، فالجواب أنا نقول: هذه العين هي التي خوطب بالامتناع عنها؛ فقد جاء خطاب المنع ثم جاء خطاب (٣) الحل، وهو قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (٤) فرجَّح خطاب المنع حسب ما تقرر من عهد الصحابة كما جرى في إصابة الأختين بملك اليمين (٥)، والمرأة وابنتها، وقد قال عثمان، رضي الله عنه، لقبيصة (٦): حرمتهما آية وهي قوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} (٧)، وأحلتهما آية وهي قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (٨) والتحريم أولى فمضى ذلك من قول عثمان، رضي الله عنه (٩)، وتابعه


(١) نقل ذلك الباجي عن ابن عباس وطاوس وغيرهما أنه يحل له بملك اليمين وإن كان طلَّقها ثلاثاً ولم تتزوج غيره. المنتقى ٣/ ٣٢٤.
(٢) هو قول فقهاء الأمصار أن عقد النكاح في اباحة الوطء أقوى من عقد الشراء بدليل أنه مقصوده فإذا لم يستبح وطأها بعقد النكاح فبأن لا يبيح له وطأها بملك اليمين أولى وأحرى. المنتقى ٣/ ٣٢٤.
وقال الزرقاني: على هذا الجمهور والأئمة الأربعة. شرح الزرقاني ٣/ ١٤٧.
(٣) زيادة من (م).
(٤) سورة النساء آية ٣.
(٥) قال الشارح: حرَّم الله تعالى الجمع بين الأختين كما حرَّم نكاح الأخت، والنهي يتناول الوطء فهو عام في عقد النكاح وملك اليمين، وقد كان توقف فيها من توقف في أول وقوعها ثم اطرد البيان عندهم واستقر التحريم وهو الحق. الأحكام ١/ ٣٧٩.
(٦) قبيصة بن ذؤيب، بالمعجمة مصغّراً، ابن حَلْحَلة، بمهملتين مفتوحتين بينهما لام ساكنة، الخزاعي، أبو سعيد، أو أبو إسحاق المدني، نزيل دمشق، من أولاد الصحابة وله رؤية. مات سنة بضع وثمانين/ ع. ت ٢/ ١٢٢ ت ت ٨/ ٣٤٦، مشاهير علماء الأمصار ص ٦٤.
(٧) سورة النساء آية ٢٣.
(٨) سورة النساء آية ٣.
(٩) هذا القول رواه مالك عنِ ابنِ شَهَابٍ عن قبيصَةَ بْنِ ذؤيب أن رَجُلاً سَألَ عُثْمَانَ بْنَ عَفان عنِ الأُخْتَيْنِ مِنْ مِلْكِ الْيَمينِ هَلْ يجْمَع بينَهُمَا؟ ققَالَ عُثْمَان: أحَلتهُمَا آيةٌ وَحَرَّمَتْهمَا آيةٌ فَأمَّا أنَا فلاَ أُحبُّ أنْ أصْنَعَ ذلِكَ.
قَالَ: فَخَرَجَ مِنْ عِندِهِ فَلَقِيَ رجُلاً مِنْ أصحَاب رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَسَألَة عنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَوْ كَانَ لي مِنْ الْأمْرِ شيءٌ ثُم وَجَدْت أحَداً فَعَلَ فيكَ لَحَمَلْتَهُ نِكَالاً. قال ابن شهاب: أراه علي بن أبي طالب. الموطّأ =

<<  <   >  >>