للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد استوفيناه في مسائل الخلاف، وقد تفطَّن البخاري، بثاقب فهمه، لنكتة وهي أنَّ الطلاق مكروه، وقد كشف الزوج الزوجة وكشفته فمن المروءة ألا يكشفها لغيره إلا عند الحاجة، كما بيَّناه، ويستحي الرجل بعد ما كان بينه وبين زوجته من المخالطة أن يواجهها بالطلاق إلا أن تواجهه هي بمكروه، وأدخل حديث المستعيذة (بِأنَّ امْرأةً دَخَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ، - صلى الله عليه وسلم -، لِلْبِنَاءِ بِهَا فَلَمَّا خَلَا بِهَا قَالَتْ: أعُوذُ بِالله مِنْكَ، قَالَ لَهَا: لَقَدْ اسْتَعَذْتِ بِعَظِيمٍ، إِلْحَقِي بِأهْلِكِ) (١).

ما جاء في البتَّة:

روى مسلم عن أبي الصهباء عن ابن عباس أنه قال: (كَانَ الطلَاقُ الثَّلَاثُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وَاحِدَةً، وزَمَانَ أبِي بَكْرِ وَصَدْراً مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ فَلَمَّا تَتَابَعَ النَّاسُ في الطَلاَقِ قَالَ عُمَرُ: إنَّ النَاسَ قَدْ اسْتَعْجَلُوا أَمْراً كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أنَاةٌ فَلَوْ أمْضَيْنَاهُ عَلَيْهِم فَأمْضَاهُ عَلَيْهِمْ) (٢)، وعقبه برواية أخرى من طريق ثان فقال: (كَانَتِ الْبَتَّةُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله، - صلى الله عليه وسلم -، وَاحِدَةً) (٣) الحديث إلى آخره، ولم يدخل البخاري في هذا الحديث


= الباري ٩/ ٣٥٠. وقال الباجي، بعد نقل كلام الجمهور: إذا ثبت ذلك فيعتدّ عليه بالطلاق الذي يوقعه في الحيض رجعياً كان أو بائناً. قال القاضي أبو الحسن والقاضي أبو محمَّد خلافاً لمن لا يعتد بخلافهم وهم هشام بن عبد الحكم وابن علية وداود. المنتقى ٤/ ٩٨، وقال ابن عبد البر: جمهور العلماء على أن الطلاق في الحيض يقع وإن كرهه جميعهم ولا يخالف فيه إلا أهل البدع والجهل الذين يرون الطلاق لغير السنة لا يقع، وروي ذلك عن بعض التابعين وهو شذوذ لم يعرج عليه أحد من العلماء، شرح الزرقاني ٣/ ٢٠٢. وقال النووي: أجمعت الأُمة على تحريم طلاق الحائض الحائل بغير رضاها فلو طلقها أثم ووقع طلاقه ويؤمر بالرجعة لحديث ابن عمر المذكور في الباب، وشذ بعض أهل الظاهر فقال: لا يقع طلاقه لأنه غير مأذون له فيه فأشبه طلاق الأجنبية والصواب الأول وبه قال العلماء كافة. شرح النووي على مسلم ١٠/ ٦٠، ونقل ابن قدامة عن ابن المنذر وابن عبد البر أنه قول عامة أهل العلم وأنه لم يخالف في ذلك إلا من ذكر قبل. المغني ٧/ ٣٦٦، وانظر مذهب الظاهرية في المحلى ١١/ ٤٤٩ - ٤٦٠.
(١) البخاري في الطلاق باب من طلّق وهل يواجه امرأته بطلاق ٧/ ٥٣، وابن ماجه ١/ ٦٦١ كلاهما عن الأوزاعي قال: سَألْتُ الزهْرِيَّ: أي أزْوَاج النبي - صلى الله عليه وسلم - اسْتَعَاذتْ مِنْهُ؟ قَالَ: أخْبَرَني عرْوَة عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ الله عَنْهَا، أن ابنَةَ الْجَوْنِ لَما دَخَلَتْ عَلَى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، وَدنَا مِنْهَا قَالَتْ أعَوذُ بِالله مِنْكَ، فَقَالَ لَهَا: لَقَدْ عُذْتِ بِعَظِيمٍ إلْحَقِي بِأهْلِكِ. لفظ البخاري.
(٢) مسلم في الطلاق باب طلاق الثلاث ٢/ ١٠٩٩، وأبو داود ٢/ ٦٤٩ - ٦٥١، والنسائي ٦/ ١٤٥، وأحمد انظر الفتح الرباني ١٧/ ٩.
(٣) مسلم في الطلاق باب طلاق الثلاث ٢/ ١٠٩٩، والبيهقي ٧/ ٣٣٦ ولفظه أنَّ أبَا الصَّهْبَاءِ قَالَ لِابْنِ عَباسٍ:=

<<  <   >  >>