للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بكر وصدراً من خلافة عمر فصار الناس يطلقون بدل الواحدة ثلاثاً فجمعوا اكان الله فرقه عليهم، واستعجلوِا ما كان الله أخَّره عنهم فألزموا ذلك. وقد روى النسائي عن محمود بن لبيد أن (رَجُلًا طَلَّقَ أمْرأتَهُ ثَلَاثاً في زَمَنِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَقَامَ رَسُولُ اللِه - صلى الله عليه وسلم، مُغْضَباً يَقُولُ: أيلْعَبُ بَكَتَابِ اللِه وَأَنَا حَيٌّ بَيْنَ أظْهُرِكُمْ، فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله أُقْتُلْهُ) (١)، فهذا معنى الحديث، ليس معناه ما تتوهمه المبتدعة والجُهَّال من أن طلاق


(١) سنن النسائي ٦/ ١٤٢من حديث ابن وهب عن مخرمة عن أبيه عن محمود بن لبيد، والحديث فيه مخرمة ابن بكير بن عبد الله الأشج، أبو المسور، المدنى صدوق روايته عن أبيه وجادة من كتابه، قاله أحمد وابن معين وغيرهما. وقال ابن المديني: سمع من أبيه قليلاً من السابعة. مات سنة ١٥٩هـ/ بخ م د س، ت٢/ ٢٣٤،وقال في ت ت: قال ابن وهب: سمعت مالكاَ يقول: حدثني مخرمة بن بكير وكان رجلاً صالحاً، وقال الدوري عن ابن معين: ضعيف وحديثه عن أبيه كتاب ولم يسمعه منه، وقال أبو داود: لم يسمع من أبيه إلا حديثاً واحداً وهو حديث الوتر، وقال سعيد ابن أبي مريم عن خالد بن سلمة: أتيت مخرمة فقلت حدثك أبوك؟ فقال لم أدرك أبي هذه كتبه، وقال معن بن عيسى: سمع من أبيه وعرض عليه ربيعة أشياء من رأي سليمان بن يسار، وقال ابن أبي أويس: وجدت في ظهر كتاب مالك سألت مخرمة عما يحدّث به عن أبيه سمعها من أبيه فحلف لي ورب هذه البنية سمعت من أبي، وقال ابن عدي: وعند ابن وهب ومعن وغيرهما عن مخرمة أحاديث حسان مستقيمة وأرجو أنه لا بأس به. ت ت: ١٠/ ٧٠ - ٧١، وانظر الكامل ٦/ ٢٤٢١، والميزان ٤/ ٨٠ - ٨١، وقد نقل الشوكاني عن ابن كثير قوله في هذا الحديث سنده جيد، نيل الأوطار ٧/ ١٥٠، وقال الحافظ في بلوغ المرام رقم ١١٠٥ ص ٢٢٤: رواته موثوقون، وقال في الفتح ٩/ ٣٦٢:رجاله ثقات لكن محمود بن لبيد ولد على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يثبت له منه سماع وإن ذكره بعضهم في الصحابة فلأجل الرواية، وقد ترجم له أحمد وأخرج له عدة أحاديث ليس فيها شيء صرح فيه بالسماع، وقال النسائي بعد تخريجه: لا أعلم أحداً رواه غير مخرمة بن بكير بن الأشج عن أبيه. ورواية مخرمة عن أبيه عند مسلم في عدة أحاديث، وقد قيل إنه لم يسمع من أبيه. فمرسل ولا حجة في المرسل مخرمة لم يسمع من أبيه شيئاً، ويقول الشيخ أحمد شاكر راداً على ابن حزم وابن حجر: وأما الكلام في سماع مخرمة من أبيه فالحق أنه سماع منه كما ثبت ذلك عن معن وعن مالك، وقد سأله مالك فحلف له أنه سمع من أبيه ومخرمة ثقة ولو كان لم يسمع منه فلا يضعف ذلك روايته لأنه كان عنده كتاب أبيه وهذه وجاده هي عندنا تشبه السماع أو تكون أقوى منه، وقد أخرج مسلم بعض روايته عن أبيه وهذه أمارة صحتها. وأما محمود بن لبيد فإنه صحابي صغير، وغاية ما في الأمر أن يكون حديثه إذا كان لم يسمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - من مراسيل الصحابة ومراسيل الصحابة حجة. وأما قول ابن حجر أن أحاديثه في المسند ليس فيها شيء صرَّح فيه بالسماع فإنه ذهول عنه أو نسيان؛ ففي مسند أحمد ٥/ ٤٢٧ بإسناد صحيح عن محمود بن لبيد قال: (أتَانَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فَصَلَّى بنَا المَغربَ في مَسْجِدِنا فَلَما سَلَّمَ مِنْهَا قَالَ: إركعوا هاتين الركعتين في بيوتكم) للسبحة بعد المغرب، وهذا صريح في السماع، ومن العجب أن الحافظ ابن حجر نقل هذا الحديث نفسه محتجاً به على سماع محمود بن لبيد في ترجمته في الإصابة ٦/ ٦٧. نظام الطلاق في الإِسلام ص ٣٧ - ٣٨، وانظر المحلى ١١/ ١٦٨.
درجة الحديث: بناء على ما تقدم يكون صحيحاً، والله أعلم.

<<  <   >  >>