للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ} ونحن وإن كنا نقول بدخول الكافر في جميع خطابات الشريعة فإنا لا نحكم بصحة إيلاء الكافر (١) لأن زوجته لا تخلو من أن تكون مسلمة، وذلك محال لا يتصور وجوداً، ولا تقع فيه فتوى، وإن كانت زوجه كافرة فما لنا ولهم، وإن حلف ألا يطأ أهله وأسلم فقد سقط عنه كل يمين وعقد، ومعنى سبق منه فالمسألة لا صورة لها بحال، وقد قال سعيد بن المسيب على جلالة قدره أن الإيلاء لا يلزم إلا مع الغضب (٢)، وهذا بظاهره وهم وتخصيص للعموم بغير دليل، ولعله أراد مسألة ذكرها مالك؛ وهو أن الرجل إذا حلف ألَّا يطأ زوجته وامتنع من وطئها بغير يمين فإن كان ذلك لعذر أو مرض أو لغيلة (٣) فلا ينعقد الإيلاء، وإن كان قصد المضارَّة فينعقد اليمين (٤) عليه إذا حلف وتُضرب له المدة، وإذا لم يحلف ترافعه إلى الحاكم، وهذا هو الذي أراده سعيد، والله أعلم. وكذلك اتفق العلماء على أن العبيد يدخلون في هذا العموم (أولاً) (٥) فينعقد عليهم الإيلاء، ثم اختلفوا في خروجهم عنه آخراً. فجمهور العلماء على أنَّ أجل العبد في الإيلاء شهران وهذا هو الصحيح لأنها مدة تؤول إلى فرقة فاختلفت في الرق، والحرية كالعدة (٦).


(١) وقال القاضي عبد الوهاب: لايصح إيلاء الكافر. دليلنا {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} الإشراف على مسائل الخلاف ٢/ ١٤٥.
(٢) هذا القول لم أطَّلع عليه لسعيد، وإنما اطلعت عليه عن ابن عباس والنخعي والحسن وققالة. يقول ابن المنذر: اختلفوا في الرجل يولي من زوجته في غير حال الغضب، فروينا عن علي بن أبي طالب إنه قال: ليس في الإصلاح إيلاء. وعن ابن عباس أنه قال: إنما الإيلاء في الغضب، وروي هذا القول عن النخعي والحسن وقتادة. الإشراف على مذاهب العلماء ص ٢٢٧، وقال الحافظ: ومن طريق علي وابن عباس والحسن وطائفة: لا إيلاء مع غضب فتح الباري ٩/ ٤٢٦، ويقول الباجي: المشهور من مذهب علي، رضي الله عنه، أن الإيلاء إنما يكون في الغضب دون الرضا. المنتقى ٤/ ٢٦، ونقل ابن قدامة كلام ابن المنذر السابق ولم يزد عليه المغنى ٧/ ٥٥٠، وانظر المحرر الوجيز ٢/ ١٩٠، وحكاه القرطبي عن ابن عباس وعلي وقال: هو الشهور عنه، وقاله الليث والشعبي والحسن وعطاء كلهم يقولون: الإيلاء لا يكون إلا على وجه مغاضبة. تفسير القرطبي ٣/ ١٠٦، وانظر النكت الماوردي ١/ ٢٤٠.
(٣) هي أن يطأ الرجل امرأته وهي ترضع. المنتقى ٤/ ٣٦.
(٤) قالَ قالِكٌ: مَنْ حَلَفَ لإمْرأتِهِ أنْ لا يَطَأهَا حَتى تَفْطِمَ وَلَدَهَا فَإِنَّ ذلِك لاَ يَكُونُ إيلاءً:. الموطأ ٢/ ٥٥٨.
(٥) كذا في جميع النسخ وفي رأيي أنه يستغنى عنه.
(٦) هذا الخلاف نقله قبله القاض عبد الوهاب ورجح ما رجحه الشارح فقال: أجل العبد في الايلاء شهران خلافاً لأبي حنيفة والشافعي لأنه معنى يتعلق به حكم البينونة فوجب نقصانه عن الحر فيه كالطلاق فإنها مدة مضرر به متعلقة بالنكاح تتعلق بها البينونة فوجب أن يؤثر الرقّ على نقصانها كالعدة. الإشراف ٢/ ١٤٢ وانظر بداية المجتهد ٢/ ٧٧.

<<  <   >  >>