للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلى آخر الآية؛ فشرَّع الله اللعان مخلصاً من المحنة بتلطيخ الفراش وشافياً من الغيظ في رؤية المكروه وقطعاً لعلائق النسب الباطل عن الأب. ومسائل اللعان مشكلة جداً حتى أن العلماء، سلفاً وخلقاً، لم يتفقوا منها إلا على أقلها يضبطها لكم ستة فصول.

الأول: في حقيقته وبناء (فعال) (١) تركيب كل فعل يتعلق باثنين، كالقتال والخصام، سُمِّي بأشد ما فيه، وهي لعنة الله؛ فقيل لعان ولم يقل غضاب من الغضب تغليباً لجانب الرجل على المرأة لما كان هو المسبب له والمتكلم به، ولعنة الله هي إبعاده للعبد من جواره وطرده له عن قدسه، وغضب الله يحتمل أن يكون إرادته لعذابه، ويحتمل أن يكون نفس العذاب (٢) بعينه (٣) فيكون على التأويل الأول من صفات الذات كقولنا فيه سبحانه: عالم قادر، وعلى التأويل الثاني يكون من أوصاف الفعل.

الثاني: القول في سبب اللعان، وذلك بأن يقصد نفي النسب الباطل عن نفسه، أو يقصد قلع الفراش الذي تلطَّخ بغيره من بيته، وكلاهما يصح اللعان فيه لأن الله قال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} يعني يقذفونهن بالزنا، فبين حكمهم ثم قال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} يعني بمثل ذلك، فبين حكمهم أيضاً، وقال في الحديث: (أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَع امْرَأَتِهِ رَجُلاً) ورجع إلى النبي، - صلى الله عليه وسلم -، فقال له: قد ابتليت بذلك فليس في القرآن والحديث أكثر من هذا. وقال علماؤنا:- إنْ رماها بالزنا وصف الزنا كما يصفه الشاهد (٤)، وإن رماها بنفي النسب فلا بد أن يقول: قد استبرأت ولم أطأ بعد الاستبراء. وهو الثالث في شروط اللعان. والذي عندي أنه إذا قال الرجل: إن زوجته قد زنت تخلَّص من هذا القول باللعان، كما إذا قال الرجل لأجنبي: إن زوجته قد زنت، من غير تفسير، يلزمه الحد.

الرابع: إن فائدة اللغان قطع النكاح وسقوط الحد ونفي النسب وتأبيد التحريم ووجوب الصداق. أما قطع النكاح فلقوله في الحديث (فَكَانَتْ تِلْكَ سُنّة الْمُتَلَاعِنَيْنَ) ولحديث ابن عمر (أنّ رَجُلًا لاعَن زَوْجتهُ في زَمَنِ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -، فَانْتقىَ مِنْ ولَدهَا ففرَّقَ


(١) انظر هذه المادة في لسان العرب ١٣/ ٣٨٧.
(٢) في (م) العقاب.
(٣) قلت: هذه الصفة يجب بها الإيمان بها كغيرها من الصفات على مراد الله دون تأويل لشيء من ذلك، هذا هو مذهب السلف. انظر العقيدة الطحاوية ص ٥٢.
(٤) انظر الكافي ٢/ ٦١٠، المنتقي ٤/ ٧٥.

<<  <   >  >>