للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على ظاهر الحديث.

وكذلك اختلف علماؤنا كاختلاف العلماء في العلة. فأما الأموال الربوية خصوصًا فلا أرى أن يعدل فيها عن ظاهر الحديث ويضرب لذلك مثالًا لدقيق والبر فإن حاضرة الإسلام منذ بعث فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى زماننا هذا ما جرى قط فيها بيع (الدقيق) (١) والبر إلَّا كيلًا فمن أراد بيعه وزنًا لم تمنعه ما لم يقابله جنسه لأن ابتياعه جزافًا جائز فأما إذا قابله جنسه وكانت أموالًا ربوية فلا يجوز بيع بعضها ببعض إلّا بمعيار الشرع النبوي فيها (والعرف الجاري) (٢) فيها إلى اليوم لأن صاحب الشريعة حين جوز البيع وحرم الربا وبيّن المكيل والموزون إنما عاد ذلك كله إلى حاله وصفته في زمانه فمن بدله فإنما يبدله على نفسه ولا يمنع في الشرع أن يغير الخلق مصالحهم ما لم يعترض ذلك التغيير على ركن من أركان الدين فإن اعترض العرف عليه سقط في نفسه واعتبر حكم الشرع وهذا أصل بديع لم ينتبه له أحد فشدوا عليه يد البخل فإذا أثبت هذا فبعت الدنانير مراطلة اعتبر الوزن ولم يعتبر العدد وإن بيعت معادة اعتبر العدد والوزن معًا ولم يجز في ذلك تفاضل إلّا أن مالكًا جوزه في اليسير كثلاثة دنانير أو أربعة دنانير يبادل الرجل فيها صاحبه كاملًا بناقص فإن مالكًا سامح فيها بخلاف سائر الفقهاء مستمدًا من قاعدة المعروف وأما إذا راطل جيدًا برديء فلا خلاف فيه لأنه لا يمكن الاحتراز منه وتدعو الحاجة إليه، وأما إذا راطل سليمًا بمغشوش فلا يجوز بحال وأصل الباب أن المراطلة إنما هي في صنفين كل صنف في جهته فإن كان صنفان من جهة واحدة وقابلها من الجهة الأخرى صنف واحد أو صنفان فذلك (٣) لا يجوز. مثاله راطله دنانير عينًا وتبرًا غير جيد وجعل في مقابلته كوفية فإن ذلك لا يجوز لأنهما قد خرجا من باب المبادلة الأصلية إلى باب المغابنة والمكايسة واعتبار الأرباح والربا في النقدين ومثاله في المكيل لو باعه صاعين من عجوة بصاع ونصف من كيس وصاع من حشف فإنه لا يجوز أيضًا للعلة المتقدمة وعلى هذا الأصل رتب مالك بقية الباب فافهموه (منه وابنوه عليها (٤)).

ما جاء في بيع العينة (٥)

هذه كلمة ترجم بها مالك وردت في الحديث: روى أبو داود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (أنه


(١) ليست في ك.
(٢) ليست في ك.
(٣) في ج فإن.
(٤) زيادة من ج.
(٥) الموطأ ٢/ ٦٤٠.

<<  <   >  >>