للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لجهرِ وقرأ السورة، والأصل في ذلك نكتة بديعة وهي أنه إذا أدرك ركعة، أوما يكون به مدركاً، فقد فاتته أركان وصفات أركان. فليقضِ ما فاته من ركن أو صفة ركن ومن جملتها ما فاته في الركعة التي أدرك فإنه فاته فيها ركن، وهي الجهر والسورة، فمن الناس من ألغاها لأنه جعلها تبعاً لركنها وقد مضى. ومن الناس من قال بل يقضيها في محل مثلها وهو الصحيح كما تقدم. وقد سمعت أبا الوفا (١) إمام الحنابلة ببغداد، يقول: من نسي قراءة الفاتحة في الثلاث ركعات قرأها في الركعة الرابعة أربع مرات، ويسند ذلك إلى أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، ولا أقول به.

تتميم: إذا ثبت أنه يكون مدركاً بركعة لحكم الصلاة فلا يكون مدركاً بأقل منها لا من جهة دليل الخطاب ولكن من حيث أن أقل من ركعة لا يكون في معنى الركعة بحال فإن قيل فقد روى البخاري أن النبي، - صلى الله عليه وسلم -، قال: "مَنْ أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنَ الصلاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ" (٢)، أجيب عنه بثلاثة أجوبة:

أحدها: أنّا نقول للمخالفين لنا: أنتم قد تركتم هذا الحديث؛ فإنكم قلتم إنه لو أدرك، بعد سلام الإِمام، مقدار تكبيرة الإحرام لكان مدركاً للصلاة، فإن قيل إنما فعلنا ذلك لأنه لم يرد السجدة بعينها وإنما أراد ركناً من أركان الصلاة والتكبير ركن، قلنا هذا حجة عليكم؛ لأن السجود ليس بركن في نفسه وإنما هو ركن على معنى التبعية للركوع إجماعاً، فكيف ألحقتم ركناً مستقلًا بنفسه وهو تكبيرة الإحرام بركن تابع لغيره وهو السجود.


(١) أبو الوفاء البغدادي ٤٣٠ - ٥١٣.
علي بن عَقِيل أبو الوفاء، ويعرف بابن عقيل عالم العراق وشيخ للحنابلة ببغداد في وقته، كان قوي الحجة، اشتغل بمذهب المعتزلة في حداثته، وكان يعظم الحلَّاج فأراد الحنابلة قتله فاستجار بباب المراتب عدة سنين ثم أظهر التوبة حتى تمكّن من الظهور. له تصانيف أعظمها كتاب الفنون بقيت منه أجزاء وهو أربعمائة جزء. قال الذَّهبى، في كتاب الفنون: لم يصنف في الدنيا أكبر منه والواضح في الأصول.
انظر الأعلام ٥/ ١٢٩، جلاء العين ٩٩، شذرات الذهب ٤/ ٣٥، غاية النهاية ١/ ٥٥٦، ولسان الميزان ٤/ ٢٤٣، وطبقات الحنابلة ٤١٣ ومناقب الإمام أحمد ٥٢٦، ومرآة الزمان ٨/ ٨٣، والذيل على الطبقات ١/ ١٧١.
(٢) متفق عليه البخاري في المواقيت باب من أدرك من الصلاة ركعة البخاري ١/ ١٥١، ومسلم في المساجد باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ١/ ٤٢٣، والموطأ ١/ ١٠، وشرح السنة ٢/ ٢٤٩. كلهم عن أبي هُرَيْرَة.

<<  <   >  >>