للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحلُّ لأحدٍ يُعطي عطيةً فيرجعُ فيها إلاَّ الواهب فيما يعطي لولدهِ والعائِدُ في هبته كالكلب يعود في قيئه) (١)، فبين المستثنى وأبقى سائر الهباتِ على أصلِ التحريم، وكانت الحكمة في جعل ذلك بين الوالدِ والولدِ ما له عليه من سَلطنَةِ الإيجاد وحق الكفالة والتربية، وذمامِ الذبّ عنه والنصرة وسيلة رجُوع ماله إليه كله آخر الأمرِ وإلى هذا وقعت الإشارة بقول النَّبي - صلى الله عليه وسلم -: (إنَّ من أفضل ما أكل أحدكم من كسبهِ وإنّ ولدَ الرجل من كسبه (٢))، وقَلَبَ أبو حنيفة القوس ركوة (٣) فقال: لا يحل للأب أن يرجعَ فيما وهبَ لولده لما في ذلك من تغيير القلب وتوقع العقوقُ (٤) وفي الأجنبي لا يبالي به إنما مقصده ماله وكسبه فإن وصَله وصَله وإن قطعَهُ قطعهُ، قلنا لا رأي لمغلوبٍ، أنت تقول هذا والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد بينَ حكمه وأوجبَ الرجوع له، فإن قالوا هذا الحديث ليس بصحيح، قلنَا أنتم تقولونَ هذا وليس لكم حديث مثله وصحيفة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده هي نضاركم (٥) وحرمالكم والمعنى عليكم زائد إلى هذا فإن كل ولد يطلب والده ماله الذي لم يستفدة من جهته فيقف دونه لا يعد من البررة فما ظنك بما كان أصله من عنده فإن قيل فالحديث الصحيح يعارضه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (العائد في صدقته كالكلب في قيئه) قلنا: قد أشبعنا القول في هذا الحديث في مسائل الخلاف وشرح الآثار والمعتمد الآن لكم أنه عام مطلق وحديثنا خاص مقيد والخاص يقضي على العام باتفاق.


= وابن ماجه (٢٣٧٨) من طريق عامر الأحول عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده والحديث صححه الشيخ ناصر في صحيح ابن ماجه.
(١) رواه أبو داود من حديث حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن طاووس عن ابن عمر وابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي لولده ...) أبو داود (٣٥٣٩) والترمذي (٢١٣٢) وقال حسن صحيح، والنسائي ٦/ ٢٦٥، وابن ماجه (٢٣٧٧).
(٢) أبو داود (٣٥٢٨ و ٣٥٢٩) من حديث عمارة بن عمير عن عمته أنها سألت عائشة رضي الله عنها فقالت في حجري يتيم أفأكل من ماله فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن من أطيب ما أكل الرجل من كسبه وولده من كسبه) ورواه الترمذي في الأحكام (١٣٥٨) وقال حسن صحيح ورواه النسائي ٧/ ٢٤١ وابن ماجه (٢١٣٧).
(٣) صارت القوس ركوة يضرب في الأدبار والأقلاب في الأمور. ترتيب القاموس ٢/ ٣٨٥.
(٤) قال ابن هبيرة هل للأب الرجوع فيما وهب لولده فقال أبو حنيفة ليس له ذلك وقال الشافعي له الرجوع لكل حال وقال مالك للأب الرجوع فيما وهب لابنه على جهة الصلة لا على جهة الصدقة. الإفصاح ٢/ ٥٨، شرح السنة ٨/ ٢٩٩.
(٥) النضار بالضم الجوهر الخالص من التبر. ترتيب القاموس ٤/ ٣٨٧.

<<  <   >  >>