للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[كتاب المكاتبة]

أذنَ الله سبحانه وتعالى في الكتابة رحمة للخلقِ وحالة متوسطة بين السادةِ والعبيدِ، لأنَّ السيدَ ربما شق عليه أن يخرج قيمة العبد عن ملكه، أو ربما لم يثق بالعبد في أداء خراجه فيريدُ أن يجتهدَ العبدُ في أداءِ المال لقصدِ الحرية فيحصل لكلِ واحدٍ منهما مقصوده، وربما كره بقاءه في ملكه، وإن كانَ مجتهداً في أداء كسبه فيخرجه عن يده، وينتفع بالقيمة، وقد يكون راغباً في عبده ولكن يرى فيه من الأمر ما يحمله على عتقهِ، فإن سمحت نفسه بذلك أنفذ له الحرية وإن شح على مالهِ باعه من نفسهِ، وهي الكتابة قال الله تعالى: {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرًا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم} (١) الآية. قال بعض المتقدمين: الكتابةَ واجبة (٢) لأن الله تعالى أمر أمراً مطلقاً، والأمر المطلق محمول


(١) سورة النور آية ٣٣.
(٢) قال في الأحكام ذكر الله طلب العبد للمكاتبة وأمر السيد بها حنيئذ وهي حالتان الأولى أن يطلبها العبد ويجيبه السيد فهذا مطلق الآية وظاهرها.
الثانية أن يطلبها العبد ويأباها السيد وفيه قولان الأول لعكرمة وعطاء أن ذلك واجب على السيد وقال سائر علماء الأمصار لا يجب ذلك عليه وتعلق من أوجبها بمطلق قوله تعالى (فكاتبوهم) الأحكام ص (١٣٨٢).
وزاد القرطبي على الذي ذكر ابن العربي مسروق وعمرو بن دينار والضحاك بن مزاحم وجماعة أهل الظاهر فكلهم قالوا إن ذلك واجب على السيد.
وقال علماء الأمصار لا يجب ذلك وتعلق من أوجبها بمطلق الأمر وافعل بمطلقه على الوجوب حتى يأتي الدليل بغيره وروي ذلك عن عمر وابن عباس واختاره الطبري واحتج داود أيضًا بأن سيرين أبا محمَّد بن سيرين سأل أنس بن مالك الكتابة وهو مولاه فأبى أنس فرفع عمر عليه الدرة وتلا (فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيراً) فكاتبه أنس قال داود وما كان عمر ليرفع الدرة على أنس فيما له مباح ألا يفعله.
وتمسك الجمهور بأن الإجماع منعقد على أنه لو سأله أن يبيعه من غيره لم يلزمه ذلك ولم يجبر عليه وإن ضوعف له في الثمن وكذلك لو قال له أعتقني أو دبرني أو زوجني لم يلزمه ذلك بإجماع فكذلك الكاتبة لأنها معاوضة فلا تصح إلا عن تراض وقولهم مطلق الأمر يقتضي الوجوب صحيح لكن إذا عري عن قرينة تقتضي صرفه عن الوجوب وتعليقه هنا بشرط علم الخير فيه فعلق الوجوب على أمر باطن وهو علم السيد بالجزية.=

<<  <   >  >>