للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالحكم والأمر، فإنها مراقة بالقضاء والحكمة. قالت الملائكة لربنا تعالى: {أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون} (١) الآية. ثم علمنا ربنا معنى ذلك وحكمته، وهي ما بيّناهُ في كتاب الأمد من أنَّ الله سبحانه له الصفات العلى والأسماء الحسنى وكل اسم من أسمائه، وصفة من صفاته لها متعلق لا بدَ أن يكونَ ثابتًا على حكمِ المتعلقِ منها عامة التعلق، ومنها خاصة فيه فلما كان من صفاتِه الرحمة أخذت جزءاً من الخلق، فكان لهم العفو والعافية في الدنيا والآخرة ولما كان من صفاته السخط، أخذت هذه الصفة جزءاً من الخلقِ فوجبَ لهم العذاب، واستحقت عليهم النقمة إلى آخر تحقيق هذا الفصلِ في الكتاب المذكور (٢)، فلما خلقَ الملائكة يفعلون ما يؤمرون ويسبحون بالليلِ والنَّهارِ لا يفترون، لم يكن بد لما تقدم بيانه له من أن يخلق من تجري عليه هذه الأحكام من خير وشر، وتنفذ فيه هذه المقادير من نفعٍ وضرٍ. فالحمدُ لله الذي بصرنا حكمته وأحكامه وإياه نسألُ نوراً يتيسر به العمل ولعظيم حرمة الدماء:

حديث (٣): قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا يزال الرجلُ في فسحةٍ من دينه (٤)، وروي من ذَنبه (٥)، ما لم يصبُ دماً حراماً). فالفسحة في الدين سعة الأعمال الصالحة، حتى إذا جاء القتل ضاقت, لأنها لا تفي به والفسحة في الذنب قبوله للمغفرة (٦)، وإن قتل البهائم بغير حتي لموجب ذنباً عظيماً، فكيف قتل الآدمي الذي لو وزن بالدنيا بأسرها لرجحها. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أول ما يقضى فيهِ يوم القيامة الدماء) (٧) , لأنَّ المهم هو المقدم.


(١) سورة البقرة آية (٣٠).
(٢) هذا الكتاب هو كتاب الأمد الأقصى في شرح أسماء الله الحسنى وهو لا زال مخطوطاً.
(٣) في ج حديث ولعظيم حرمة الدماء.
(٤) رواه البخاري في أول كتاب الديات ٣/ ٩ من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً) ورواه البغوي في شرح السنة ١٠/ ١٤٩ والديلمي في مسند الفردرس ٥/ ٩٦ والبيهقي ٨/ ٢١.
(٥) قال الحافظ وفي رواية الكشمهينى من ذنبه فتح الباري ١٢/ ١٨٨.
(٦) نقل الحافظ كلام ابن العربي السابق وعقب عليه بقوله وحاصله أنه فسره على رأي ابن عمر في عدم قبول توبة القاتل .. ثم قال وقد ثبت عن ابن عمر أنه قال لمن قتل عامدًا بغير حق "تزود من الماء البارد فإنك لا تدخل الجنة". فتح الباري ١٢/ ١٨٨.
(٧) متفق عليه البخاري في أوائل الديات ٩/ ٣ ومسلم (١٦٧٨) في القسامة باب المجازاة في الدماء من حديث=

<<  <   >  >>