للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قيل إنما قال ذلك عرضًا لا حِكمًا. قلنا حاشَ لله أن يعرضَ قلبَ الشريعة أو يفعل ما لا يفعل في الدنيا فضلاً عن الدين، فكيف في الدماء، فإن قيل: فقد روي في هذا الحديث أنه بدأ باليهود فقال: أتحلفون؟ فلما أبَوْا، رجَع إلى المدعي فقال أتحلف؟. خرجه أبو داود وغيرها (١). قلنا: روى الحديث الجماعة الأثبات الثقات أميرهم مالك ومن تبعه وانتقاه الصحيحان (٢). فلا يترك هذا كله لرواية شذت، فإن قيل: إن شذت في الرواية فقد استقرت في القاعدة، قلنا: إنما يؤسس القواعد قول صاحب الشريعةِ وليس يلزم أن ترد على الاختيار ولا يتحتم فيها على الاضطراد بل ترد بحكم الله تعالى متسقة ومتفرقة وأنت يا أبا حنيفة تنقض القواعد بالاستحسان في معظم مسائِل الشريعة فكيف تنكر أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤسس في نازلةِ واحدة قاعدتين تجري الدعوى فيها، والإنكار على الحكمين، وقد بين مالك رضي الله عنه هذه المسألة في الموطّأ وأتقنها، فذكر الحديث أولاً في البداية بأيمان المدعي وهو العمدة في الحكم ثم عقبَ ذلك ببيان الحكمةِ والمعنى فقال: وإنما فرقٌ بينَ القسامة والدم، وسائر الأيمان في الحقرقِ إلى قوله يقول المقتول (٣). على أنه قد ثبت من طريق الدارقطني وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (البينة على المُدعي واليمين على من


= حديث ابن عباس أن رسول الله قضى بيمين وشاهد (مسلم ١٧١٢) وقال في اليمين إنه حديث صحيح لا يرتاب في صحته وقال ابن عبد البر لا مطعن لأحد في صحته ولا في إسناده. فتح الباري ٥/ ٢٨٢.
(١) رواه أبو داود من طريق الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار عن رجال من الأنصار أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لليهود وبدأ بهم (يحلف منكم خمسون رجلاً فأبوا فقال للأنصار استحلفوا قالوا نحلف على الغيب يا رسول الله) فجعلها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دية على يهود لأنه وجد بين أظهرهم.
أبو داود في كتاب الديات حديث (٤٥٢٦).
قال المنذري قال بعضهم وهذا ضعيف لا يلتفت إليه وقد قيل للإمام الشافعي رحمه الله فما منعك أن تأخذ بحديث ابن شهاب قلت مرسل والقتيل أنصاري والأنصاريون أولى بالعلم به من غيرهم إذ كان كل ثقة وكل عندنا بنعمة الله ثقة. وقال ابن القيم الحديث غير مجزوم باتصاله لاحتمال كون الأنصارين من التابعين. تهذيب السنن ٦/ ٣٢٢ - ٣٢٤.
(٢) يقصد الشارح الحديث الوارد في القسامة فهو متفق عليه وقد أخرجه أيضًا مالك وقد تقدم تخرجه.
(٣) قال يحيى قال مالك وإنما فرق بين القسامة في الدم والأيمان في الحقوق أن الرجل إذا داين الرجل استثبت عليه في حقه وأن الرجل إذا أراد قتل الرجل لم يقتله في جماعة الناس وإنما يتلمس الخلوة قال فلو لم تكن القسامة إلا فيما تثبت فيه البينة ولو عمل فيها كما يعمل في الحقوق هلكت الدماء واجترأ الناس عليها إذا عرفوا القضاء فيها ولكن إنما جعلت القسمة إلى ولاة المقتول يبدأون بها فيها ليكف الناس عن الدم وليحذز القاتل أن يوخذ في مثل ذلك يقول المقتول. الموطأ ٢/ ٨٨٠.

<<  <   >  >>