للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وصف الخطأ في هذا الفعلِ لأنه لو أراد قتله لأضجعهُ وذبحهُ أو حاول ذلك على صفةٍ تنتفي معها الشبهة فأما رمي السلاح عليه في أثناء منازعتهِ له، فإن شبهة الأبوة وشبهة الشفقةِ مع جوازِ الأدب يوجبان شبهة في الفعلِ تسلبه وصف العمدية المحضة حتى يجعله منزلة بين المنزلتين، وقد اختلف قوله رحمه الله في شبهة العمدِ، والمشهور عنه إثباته ويتعضد ذلك بحديث عبد الله بن عمرو خرَّجهُ أبو داود والترمذي وغيرهما في خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن قال: (ألا إن في (١) قتل العمد الخطأ قتل السوط والعصا مائة من الإبل بينها أربعون خلفة في بطونها أولادها (٢)) وهذا الحديث وإن لم يكن على الدرجة القصوى في الصحةِ فإنه صحيح المعنى لأنا وجدنا محض العمد وجَدنا محض الخطأ ووجدنا منزلة بين هاتين المنزلتين، فلم يمكن أن يلغى معنى وجدناه حقيقةً ووجدنا له أثرًا قوياً في الشريعة وقد تكلمنا على هذا الحديث في مسائل الخلاف وغيرها بما يجلو حقيقته فليطلب هنالك، وقد تعلق مالك في تحقيق المراد من هذه الآية بقوله تعالى: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين}. فأفادتنا مسألتين أصوليتين:

أما أحدهما: فإن شرع من قبلنا شرعٌ لنا (٣).

وأما الثانية فإن العمومين إذا تعارضا وأمكن الجمع بينهما ولو في وجه فإنه لا يجوز أن يسقطا جميعًا ووجه ذلك ها هنا أن الله تعالى لما قال: {كتب عليكم القصاص في القتلى} ثم ذكر التفصيل المعلوم بعده أوهم ذلك أنه أعلم بما فصَّل حدَّه حتى بيَّينَ بقوله {وكتبنا


(١) زيادة من ك وم.
(٢) رواه أبو داود (٤٥٤٧) والنسائي ٨/ ٤١ وابن ماجه (٢٦٢٧) والبيهقي ٨/ ٦٨ من طريق حماد بن زيد عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطب يوم الفتح بمكة فكبر ثلاثًا ثم قال - صلى الله عليه وسلم - (لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ألا إن كل مأثرة كانت في الجاهلية تذكر وتدعى من دم أو مال تحت قدمي إلا ما كان من سقاية الحاج وسدانة البيت) ثم قال (إلا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل ..) لفظ أبي داود.
والحديث قال فيه الحافظ صححه ابن حبان وقال ابن القطبان هو صحيح ولا يضره الاختلاف. التلخيص ٤/ ١٥ وصححه الشيخ ناصر في صحيح ابن ماجه ٢/ ٩٤ وفي الإرواء ٧/ ٢٥٦.
(٣) هذه المسألة بحثها الشارح في كتابه المحصول في علم الأصول وقد تقدم النقل عنه وانظر مرة أخرى المحصول للمؤلف ص ١٨٨ رسالة ماجستير بالجامعة الإِسلامية بالمدينة المنورة وانظر المعتمد ١/ ٢٧٣ أحكام الفصول ٢٢٤ أصول السرخسي ٢/ ٣٣٨ الوصول إلى الأصول ١/ ٩١ روضة الناظر مع نزهة الخاطر ١/ ١٤٥ شرح التنقيح ص ١٦٢ المسودة ٤١ الابتهاج ١/ ١٧٧ شرح المحلى ١/ ٢٧٥ يسير التحرير ٢/ ١٤٨ شرح الكوكب المنير ١/ ٥٠ إرشاد الفحول ص (١٠).

<<  <   >  >>