للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على التوحيد عظيمة، فإن بين جنبيك موجوداً ترى أفعاله مشاهدة ولا تقدر أن تصل إلى درك حقيقته، ولا تحيط بكيفية صفته، فلا تستنكرنّ وجود الإله الذي نشاهد أفعاله ولا سبيل إلى الإحاطة به، ولا تغترنّ بمن يقول هي جسم (١) أو عرض (٢) فإن ذلك كله ضعف في المعرفة ومرض وقد بيَّنا في كتاب المشكلين معنى الأخبار الواردة فيها.

[تعليق]

قال الأستاذ أبو المظفر (٣) الإِسفرائيني: قال الله تعانى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا} (٤) فأخبر تعالى أنه يتوفاها في الوضعين، وقال عز وجل: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} (٥).

وقال تعالى في موضع ثالث: {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى (٦) الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ} والثلاثة الأحوال المعدَّدة حالة واحدة في الحقيقة، ووجه الجمع بينها أن الله تعالى هو الفاعل الأول الكلي، جعل إلى ملك الموت جزءاً من أفعاله وهو قبض الأرواح قرن به جنوداً من ملائكته وأوعز إليهم أن يتصرفوا بأمره. فإذا أمر الله عَزَّ وَجَلَّ الملك فبادر إلى أمره أعوانه وتولو حينئذ أمر ربهم، فإذا نسبته إلى الأول الحقيقي قلت إن الله قبض أرواحنا وإذا نسبته إلى الواسطة المقدم لذلك قلت: يتوفّاهم ملك الموت، وإذا نسبته إلى المباشرين


(١) هذا قول النظام، فقال الروح جسم وهي النفس (مقالات الإِسلامين) ١/ ٢٧.
(٢) وقال جعفر بن حرب: النفس عرض من الأعراض يوجد في هذا الجسم، وهو أحد الآلات التي يستعين بها الإِنسان (مقالات الإِسلاميين) ١/ ٢٩. قلت: وما قاله الشارح هنا فيه نظر فإن الروح جسم ولكنه جسم نوراني. يقول ابن القيم، رحمه الله، عن الروح إنه جسم مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس وهو جسم نوراني علوي خفيف حي متحرك ينفذ في جوهر الأعضاء، ويسري فيها سريان الماء في الورد وسريان الدهن في الزيتون والنار في الفحم، فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف بقي ذلك الجسم اللطيف مشابكاً لهذه الأعضاء وأفادها هذه الآثار من الحس والحركة الإِرادية: الروح ص ٢٨٥.
(٣) هو طاهر بن محمَّد الإِسْفَرَايِيني الشافعي الشهير بشاهفور أبو المظفر، مفسر متكلِّم من تصانيفه تاج التراجم في تفسير القرآن للأعاجم، التبصير في الدين، وتمييز الفرقة الناجية من الفرق الهالكين. مات سنة ٤٧١ هـ.
معجم المؤلفين ٥/ ٣٨. طبقات الشافعية ٧/ ١١٤.
(٤) سورة الزمر آية ٤٢.
(٥) سورة السجدة آية ١١.
(٦) سورة الأنفال آية ٥٠.

<<  <   >  >>