للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن تسميته، وسمت العرب العنب: كرمًا، والخمر: كرمًا، أما العنب؛ فلكرم ثمرته، وامتداد ظلها، وكثرة حمله وطيبه، وتذلله للقطف، وسهولته للجني، ليس بذي شوك ولا شاق المصعد، ويؤكل غضًّا طريًّا وزبيبًا يابسًا، ويدخر للقوت، ويتخذ شرابًا، وأصل الكرم: الكثرة، والجمع للخير، وبه سمي الرجل كريمًا لكثرة خصال الخير فيه، ونخلة كريمة لكثرة حملها؛ وأما الخمر فلأنها كانت تحثهم على الكرم والسخاء، وتطرد الهموم والفكر، فلما حرمها الله تعالى نفى النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها اسم الكرم؛ لما فيه من المدح؛ لئلا تتشوق إليها النفوس التي قد عهدتها قبل، وكان اسم الكرم أليق بالمؤمن وأعلق به؛ لكثرة خيره ونفعه، واجتماع الخصال المحمودة فيه من السخاء وغيره، فقال: "إِنَّمَا الكَرْمُ الرَّجُلُ المُسْلِمُ" (١)، وفي رواية: "قَلْبُ المُؤْمِنِ" (٢)، ويقال: رجل كريم وكَرْم وكَرَم وكرَام، وقد قال عمر - رضي الله عنه -: "كَرَمُ المُؤْمِنِ تَقْوَاهُ" (٣)؛ إذ به شرفه، وجماع خيره، قال الله تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣]، كأنه أفضل أنواع الكرم، وخصال الخير، وكمال الشرف.

قوله: "إِنَّ الكَرِيمَ يُوسُفُ - صلى الله عليه وسلم - " (٤) إذا كان الكرم لجماع الخير وكثرته فهو قد اجتمع ليوسف - صلى الله عليه وسلم - منه ما أوجب له الوصف به، والحيازة لمرتبته، والتفرد بما لا يشاركه فيه سواه: شرف النبوة والعلم والجمال وكرم


(١) مسلم (٢٢٤٧) من حديث أبي هريرة.
(٢) البخاري (٦١٨٣)، مسلم (٢٢٤٧/ ٧، ٩).
(٣) "الموطأ" ٢/ ٤٦٣.
(٤) البخاري (٣٣٨٢) من حديث ابن عمر، وفيه: "الْكَرِيمُ ابن الكَرِيمِ ابن الكَرِيمِ ابن الكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمِ السَّلَامُ".

<<  <  ج: ص:  >  >>