للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَقْرَبنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ الإِنْسُ ".

٧٣ - (...) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عن ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِى عَطَاءُ بْنُ أَبِى رَبَاحٍ؛ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ الله قَالَ - وَفِى رِوَايَةِ حَرْمَلَةَ: وَزَعَمَ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلاً فَلْيَعْتَزِلْنَا أَوْ لِيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا، وَلْيَقْعُدْ فِى بَيْتِهِ ". وَأَنَّهُ أُتِىَ بِقِدْرٍ فِيهِ خَضِرَاتٌ مِنْ بُقُولٍ؛ فَوَجَدَ لَهَا رِيحًا، فَسَأَلَ، فَأُخْبِرَ بِمَا فِيهَا مِنَ الْبُقُولِ، فَقَالَ: " قَرِّبُوهَا " إِلَى بَعْضِ أَصحَابهِ. فَلَمَّا رَآهُ كَرِهَ

ــ

قال القاضى: اختلف العلماء فى معنى هذا الحديث والأخذ به، فذهب عامة العلماء وجمهور الفتوى والسلف إلى إباحة أكل هذه الخضر؛ الثوم والبصل والكراث وشبهها، وأن النهى عن حضور المساجد لمن أكلها ليس بتحريم لها وبدليل إباحة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياها لمن حضره من أصحابه، وتخصيصه نفسه بالعله التى ذكرها من قوله: " فإنى أناجى من لا تناجى وبقوله: " ليس لى (١) تحريم ما أحل الله، [ولكنى أكرهها] (٢) "، وكذلك حكم أكل الفجل لمن يتجشى به أو غير ذلك مما تستقبح رائحته ويتأذى به، وقد ذكر أبو عبد الله بن المرابط فى شرحه: أن حكم من به داء البخر فى فيه، أو به جرح به رائحة هذا حكم. وفيه دليل على أن إتيان الجماعات للأحاد على الدوام ليس بفرض، وإن كانت إقامتها بالجملة متعينةً؛ لأن إحياء السنن الظاهرة فرض على الجملة، خلافاً لأهل الظاهر فى تحريم أكل الثوم لأجل منعه من حضور الجماعة، التى يعتقدون فرضها على الأعيان، وجمهور العلماء أن النهى عن دخول المساجد لأجلها نهى عام فى كل مسجد، وذهب بعضهم أن هذا خاص فى مسجد المدينة لأجل ملائكة الوحى وتأذيهم بذلك، ويحتج بقوله: " فلا يقرب مسجدنا وحجة الجماعة قوله: " فلا يقرب المساجد "، وذكر الروايتين مسلم، وقاسوا على هذا مجامع الصلاة فى غير المساجد، كمصلى العيدين والجنائز ونحوها من مجامع العبادات، وقد ذكر بعض فقهائنا: أن حكم مجامع المسلمين فيها هذا الحكم كمجالس العلم والولائم وحلق الذكر.

قال الإمام: وقع فى بعض هذه الأحاديث جواز أكل هذه البقول مطبوخة، ووقع فى كتاب مسلم " أنه - عليه السلام - أتى بقِدْر فيه خِضراتٌ من بقولٍ، فوجد فيها (٣) ريحاً،


(١) ما فى المطبوعة: بى
(٢) سقط من الأصل، واستدرك فى الهامش.
(٣) فى المطبوعة: لها.

<<  <  ج: ص:  >  >>