للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(...) وَحَدَّثَنِى حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الخَزَّازِ، حَدَّثَنَا عَلىٌّ - وَهُوَ ابْنُ المُبَارَكِ - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا أَبُو سَلمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلى رَكْعَتَيْنِ مِنْ صَلاةِ الظُّهْرِ، ثُمَّ سَلَّمَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِى سُليْمٍ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَقُصِرَتِ الصَّلاةُ أَمْ نَسِيتَ؟ وَسَاقَ الحَدِيثَ.

ــ

السلام، أى لم أنسه فى السلام، بل سلمت قصداً، ولم أسْه فى نفس السلام، وإنما سهوت عن العدد، وهذا بعيد أيضاً. وقيل: كان النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسهو ولا ينسى؛ لذلك نفى عن نفسه النسيان؛ لأنه غفلة ولم يغفل عنها وكان شغله عن حركات الصلاة ما فى الصلاة شغلاً بها لا غفلةٌ عنها، وهذا إن تحقق على هذا المعنى كان نفيه لنسيان الغفلة صحيحاً أحرى، وقد ظهر لى فيه ما هو أقرب وجهاً وأحسن تأويلاً، إنه إنما أنكر - عليه السلام - لفظة: " نسيت " المضافة إليه، وهو الذى نهى عنه فى قوله: " بئس ما لأحدكم أن يقول: نسيت آية كذا، ولكنه نُسِّى " (١)، وقد روى: " أنى لا أنسى " على النفى ولكنى أُنَسَّى، وقد شك الراوى على رأى بعضهم فى الرواية الأخرى هل قال: " أنْسَى " أو " أُنَسَّى "، وأنَّ " أو " هنا للشك، وقيل: بل للتقسيم، [وأن هذا يكون] (٢) منه مرة من قبل شغله وسهوه، ومرة يغلب على ذلك وَيجبر عليه ليَسُنَّ، فلما سأله السائل بذلك اللفظ أنكره وقال له: " كل ذلك لم يكن "، وفى الرواية الأخرى: " لم أنس ولم تقصر "، أَمَّا القصر فبين، وكذلك لم أنس حقيقة من قبل نفسى وغفلتى عن صلاتى، ولكن الله نَسَّانى لأَسُنَّ.

وقوله: " جاءه الشيطان فلبَّس عليه ": أى شكَّكَه وغلطه قال الله تعالى: {وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُون} (٣)، وقوله: " فهنَّاه ومنَّاه ": أى أعطاه من الأمانى والهنوء والعطية، ومنَّاه: ذكَّره الأمانى. وقوله: " توشوش القوم ": كذا لأبى بحر بالمعجمة و (٤) لغيره بالمهملة، وكلاهما بمعنى الحركة، أى تحركوا. قال ابن دُريد: وسوسَةُ الشىء مهملاً حَرَكَتُه، وتوشوش القوم تَحرَّكوا وهمسوا بعضهم إلى بعض.

قال القاضى: ونحوه الوسوسة، ومنه وسواس الحلى، وهو صوته عند تحريكه، ومنه وسوسة الشيطان، وهى همسه بإغوائه فى القلوب، قال الخليل: الوسوسة صوت فى اختلاط.

وقوله: " خرج سَرَعان الناس ": كذا رويناه بفتح السين والراء عن متقنى شيوخنا،


(١) سيأتى إن شاء الله فى كتاب صلاة المسافرين وقصرها، ب فضائل القرآن وما يتعلق به، وقد أخرجه البخارى - أيضاً - فى كتاب فضائل القرآن، ب نسيان القرآن وهل يقول: نسيت آية كذا وكذا، وأحمد فى المسند ١/ ٤١٧.
(٢) فى ت: وأن يكون هذا.
(٣) الأنعام: ٩.
(٤) فى ت: أو.

<<  <  ج: ص:  >  >>