للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: " اقْتَادُوا " فَاقْتَادُوا رَوَاحِلهُمْ شَيْئًا. ثُمَّ تَوَضَّأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ بِلالاً فَأَقَامَ

ــ

وقوله: " اقتادوا، فاقتادوا رواحلهم شيئاً " وفى الحديث الآخر: " ارتحلوا " وفى حديث زيد بن أسلم: " فأمرهم أن يركبوا فركبوا " (١) ومثله فى حديث أبى قتادة، وقيل: " فركبوا " محمله أن بعضهم ركِب وبعضهم اقتاد، وهذا على من جعل الأحاديث فى هذه واحدة (٢) وأما إن كانت فى مواطن فلا تعارض فى ذلك (٣) وسنذكر هذا بعد.

وأمره - عليه السلام - لهم بهذا مع وجوب المبادرة للصلاة، قال الإمام: اختلف فى علته، فقيل: لأن الشمس كانت طالعة [حينئذ] (٤)، وإنما أمرهم باقتياد رواحلهم حتى ارتفعت [الشمس] (٥)، وقيل: إنما ذلك لما ذكر بعد من قوله: " إن هذا منزلٌ حضرنا فيه شيطان " وهذا هو الأظهر (٦)، ومذهب أبى حنيفة أن المنسياتِ لا تقضى عند (٧) طلوع الشمس، ويحتج بتأخير النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصلاة حتى خرج من الوادى. وهذا لا حجة له به (٨)؛ لأنه كان فى صلاة ذلك اليوم وهو يوافق على أن صلاة ذلك اليوم تقضى عند طلوع الشمس، والحجة عليه - أيضاً - قوله - عليه السلام -: " فليصلها إذا ذكرها "، فعمَّ سائر الأوقات.

قال القاضى: لا حجة لأبى حنيفة كما قال من الحديث؛ لما ورد فى الحديث الآخر نفسه: " فما أيقظنا إِلا حرُّ الشمس "، وقوله فى [الحديث الآخر] (٩): " فضربتنا الشمس "، وهذا [كله] (١٠) لا يكون إِلا بعد ارتفاعها، وجواز الصلاة حينئذ، وقد قيل فى أمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالاقتياد وجوه أُخر، منها: أن أمره بذلك ليقوم جميع الناس بحركة الرحيل ويتنبَّه لذلك من غمره النوم وينبه غيره ممن قاربه ويأخذ من قام أهبة الصلاة أثناء ذلك، وقيل: بل كراهة للموضع الذى أصابتهم فيه الغفلة وتشاؤمًا به كما نهى عن الوضوء من ماء ثمود لعصيانهم ونزول العذاب بمكانهم، وكما قال أبو لبابة: " لا أرى فى بلد خنت الله فيه ورسوله " وكما قال: " أهجرُ دار قومى التى أصبت فيها الذنب "،


(١) أخرجه مالك فى الموطأ، وقال فيه ابن عبد البر: هذا الحديث فى الموطآت لم يسنده عن زيد أحد من رواة الموطأ. الموطأ، ك وقوت الصلاة، ب النوم عن الصلاة ١/ ١٣.
(٢) وهو اختيار ابن عبد البر. التمهيد ٥/ ٢٠٤.
(٣) ودليلهم على ذلك ما أخرجه أحمد فى المسند: قال عبد الله: فقلت: أنا، حتى عاد مراراً، فقلت: أنا يا رسول الله، قال: " فأنت إذا "، قال: فحرسهم حتى إذا كان وجه الصبح أدركنى قول رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إنك تنام " فنمت، فما أيقظنا إِلا حرّ الشمس فى ظهورنا. أحمد فى المسند ١/ ٣٩١.
(٤) و (٥) من ع.
(٦) فى ت: الظاهر.
(٧) فى س: بعد.
(٨) فى ت: فيه.
(٩) فى ت: الأحاديث الأخر.
(١٠) ساقطة من ق.

<<  <  ج: ص:  >  >>