للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " إِنَّ طُولَ صَلَاةِ الرَّجُلِ، وَقِصَرَ خُطْبَتِهِ، مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ،

ــ

وقوله: سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: " إِنَّ طول صلاة الرجل وقصْرَ خطبة مَئِنَةٌ من فقهه ": كذا روايتنا فيه هنا مقصور مشدد النون، من طريق شيخنا أبى بكر، وكذا عند الحذاق منهم والمتقنين وهو الصواب. ووقع فى رواية القاضى الصدفى وابن أبى جعفر "ماينة " بالمد [وآخره هاء] (١)، وهو غلط، وكذلك كل ضبطٍ خالف الأول.

قال الإمام: قال الأصمعى: سألنى شعبة عن هذا الحرف فقلت: هو كقولك علامة ومخلقة ومجدرة (٢). قال أبو عبيد: يعنى أن هذا مما يستدل به على فقه الرجل. قال أبو منصور: جعل أبو عبيد الميم فيه أصلية وهى ميم - مفْعِلةً، وإن كان كذلك فليس هو من هذا الباب، هذا الذى نقلناه عن الهروى فى حرف الميم، وزاد فى حرف الهمزة مع النون أن أبا عبيد أنشد للمرَّار:

فتهامسوا [شيئًا] (٣) [فقالوا] (٤) عرِّسوا ... من غير تمئنةٍ لغير معرِّس

وذكر الهروى عن الأزهرى أن تفسير أبى عبيد صحيح، واحتجاجه بالبيت غلط؛ لأن الميم فى التمنية أصلية وهى فى مئِنة ميم مفعلة، وليست بأصلية، ومعنى قوله: " من غير تمئنة " أى من غير تهيئة، ولا فكر فيه، يقال: أتانى فلان وما مأنت مأنه وما شأنت شأنه، أى لم أفكر فيه ولم أتهيأ له.

قال القاضى: قال لى أبو الحسين شيخنا: الميم فى " مئنة " أصلية. ووزنها فَعْلَة من مأَنتُ إذا شعرت، وقاله أبوه أبو مروان.

وقوله فى هذا الحديث (٥): " فأطيلوا الصلاة وأقصروا الخطبة " غير مخالف لقوله فى الحديث: " كانت صلاته قصدًا وخطبته قصدًا " وذلك أن كلَّ واحدة قصدًا فى بابها، إذ سنة الخطبة بالتقصير فكان تقصيره - عليه السلام - فيها قصدًا غيرَ مخل بها، وسنة الصلاة التطويل، وتطويله - عليه السلام - قصدٌ فيها غير مخرج لها بالتطويل إلى أذى من خلفه، ولكل شىء عدل وقصد فى ذاته، وإن خالف قصدَ أحدهما الأخرى.


(١) من س.
(٢) قيَّدها أبو عبيد هكذا: قال الأصبعى: قد سألنى شعبة عن هذا فقلت: مَئِنَّة يقول: هى علامة لذاك، خليق لذاك. قال أبو عبيد: يعنى أن هذا مما يعرف به فقه الرجل ويستدل به عليه، وكذلك كل شىء دلَّك على شىء فهو مئِنَّة له ٤/ ٦١.
(٣) من الغريب للهروى، والذى فى نسخ الإكمال: سرًّا.
(٤) فى الإكمال: وقالوا، والمثبت من الهروى.
(٥) بعدها فى نسخ الإكمال: " كانت صلاته "، وليست فى حديث عمار، وإنما هى من حديث جابر بن سَمُرة. وليس فيه: " فأطيلوا الصلاة، وأقصروا الخطبة ".

<<  <  ج: ص:  >  >>