للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

البلخى (١) فى مقالاته ومحمد بن زيد الواسطى عن طائفة من المعتزلة تسمى السَّكينَة مثله، قالا: وقد انقرضوا ولم يبق أحد منهم يُذكر. قالا: وهو قول قوم من الرافضة (٢) والجهميَّة (٣)، وذكروا حجتهم: أنَّه -تعالى- لو كان عالماً بتكذيبهم لكان فى إرسال الرسل إليهم عابثاً -تعالى الله عن قولهم.

فهذا هو أصل القدرية كما ذكر فى الحديث.

وقد حكى هذا القول أبو محمد بن أبى زيد فى ردّه على المعتزلى البغدادى، وأنهم يقولون: إن أفعال العباد لا يعلمها الله حتى تكون. وقد روى بعض أصحاب مالك من القرويين وغيرهم عنه فى تفسير مذهب القدرية مثله. وروى عنه ابن وهب أنه احتج على القدريَّة بقوله- عليه السلام-: " الله أعلم بما كانوا عاملين " (٤) وقد احتج البخارى وغيره بذلك (٥).

وهذا كله يُبَيّنُ أنه كان مذهبهم قديماً، وهكذا القدريَّة اليوم، والمعتزلة تأبى هذا وتنكره من مذهبهم، ولا شك أنه كان أصل مذهبهم كما ذكروا، وأخذوه من الفلاسفة الذين بنوا أكثر مذهبهم على منازعتهم فى الإلهيات ومأخذهم، ولم يقل به المعتزلة، إذا عَرفت عِظَم ما فيه. إذ كانت القدرية أولاً غير المعتزلة، وكان القدر هوى بذاته (٦) والاعتزال هوى بذاته. وفى أصلين مفترقين، ثم قالت المعتزلة بعد ذلك بالقدَرِ، ورجعت إليه وأطبقت طوائفها- على اختلافها- على القول به مع الاعتزال الذى أصله المنزلة بين المنزلتين (٧)، وسموا هذا بالعدل، ثم أخذوا مذهب الفلاسفة


(١) هو عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبى، كان رأس طائفة من المعتزلة يقال لها: الكعبية، وكان من كبار المتكلمين، توفى سنة سبع عشر وثلاثمائة. وفيات الأعيان ٢/ ٤٥، ولم أقف على محمد الواسطى.
وأما طائفة السكينة هذه، فإنى لم أقف لها على تعريف أو تحديد فى كتب الأولين والآخرين، وغاية ما أستطيع قوله فيها الآن: إنها لعلها منسوبة إلى قول معمر: إن من قدر على السكون قدر أن يسكن، كما أن من قدر على الإرادة قدر أن يريد. مقالات ٥٤٨.
(٢) هم صنف من الشيعة، سموا بذلك لرفضهم إمامة أبى بكر وعمر، وهم مجمعون على أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نصَّ على استخلاف علىّ بن أبى طالب باسمه، وأظهر ذلك وأعلنه، وأن أكثر الصحابة ضلُّوا بتركهم الاقتداء به بعد وفاة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن الإمامة لا تكون إلا بنص وتوقيف.
(٣) هم أتباع جهم بن صفوان، الكاتب المتكلم. كان ينكر الصفات، وينزه البارى عنها بزعمه، وقد قتل سنة ١٢٨. وقد تفرد الجهم بالقول بأن الجنة والنار تبيدان وتفنيان، وأن الإيمان هو المعرفة بالله فقط. راجع: سير ٦/ ٢٦، مقالات ٢٧٩.
(٤) الحديث أخرجه مسلم فى ك القدر، ب كل مولود يولد على الفطرة، رقم (٢٣) عن أبى هريرة، وسيرد إن شاء الله الكلام عليه فى حينه.
ومحل الشاهد قولهم: يا رسول الله، أفرَأيت من يموت صغيراً؟ قال: " الله أعلم بما كانوا عاملين ". ٤/ ٢٠٤٨، والمعنى: أن الله يعلم ما يعملون لو بلغوا. الفتاوى ٨/ ٦٩.
(٥) راجع له: كتاب خلق أفعال العباد فى باب أفعال العباد ٣٩.
(٦) وهذا القول كان أول خلاف نشأ فى الاعتقادات. مكمل ١/ ٥١.
(٧) ويعنون بها أن الفاسق ليس بمؤمن ولا كافر، وقد قالوا فى الفاسق: إيمانه لا نُسميه به مؤمناً، وفى اليهودىّ إيمانُه لا نسميه به مؤمناً. مقالات ٢٧. =

<<  <  ج: ص:  >  >>