للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

" هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟ ". قَالَ: لا. قَالَ: " فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ ". قَالَ: لَا. قَالَ: " فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ ". قَالَ: لا. قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ. فَأُتِىَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ. فَقَالَ: " تَصَدَّقْ بِهَذَا ". قَالَ: أَفْقَرَ مِنَّا؟ فَمَا بَيْنَ لابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إِليْهِ مِنَّا. فَضَحِكَ النَّبِىُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ. ثُمَّ قَالَ: " اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَكَ ".

ــ

أن ذلك فى العامد لجماعه دون الناسى، وهو مشهور قول مالك (١) وأصحابه، وذهب أحمد بن حنبل (٢)، وبعض أهل الظاهر، وعبد الملك بن الماجشون، وابن حبيب من أصحابنا، وروى عن مالك، وعن عطاء إلى إيجابها على الناسى، والعامد فى الجماع (٣)، وحجتهم ترك استفسار النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له، وأن قوله: " وقعت على امرأتى " فى الحديث الآخر ظاهره عموم الوقوع فى العمد والجهالة والنسيان، وحذره من المؤاخذة بذلك، إلا أن مالكاً والليث والأوزاعى وعطاء (٤) يلزمانه (٥) القضاء، وغيرهم (٦) لا يلزمه.

وقوله: " هل تجد ما تعتق ": استدل به الشافعى وداود وأهل الظاهر على مذهبهم فى أنه لا يلزم فى الجماع على الرجل والمرأة إلا كفارة واحدة، إذ لم يذكر له النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حكم المرأة، وهو موضع البيان، ولا يتركه كما لم يترك بيان شأن المرأة فى حديث المتخاصمين فى الزنا، وقال: " اغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها " (٧)، ولقوله فى الرواية القليلة: " هلكت وأهلكت "، وهذه اللفظة ليست محفوظة عند الأثبات الحفّاظ، والأوزاعى يوافقهم إلا إذا كفر بالصيام، فعليهما جميعاً. ومالك (٨) وأبو ثور، وأصحاب الرأى على وجوب الكفارة على المرأة إن طاوعته، وتأول هذا الحديث: لعل المرأة مكرهة أو ناسية لصومها، أو ممن يباح لها الفطر ذلك اليوم لعذر المرض أو السفر أو الطهور من الحيض، وسوى الأوزاعى بين المكرهة والطائعة على مذهبه، وقال مالك فى مشهور مذهبه فى المكرهة: يُكفر عنها بغير الصوم، وقال سحنون: لا شىء عليها، وبهذا قال أبو ثور وابن المنذر. ولم يختلف مذهبنا فى قضاء المكرهة والنائمة، إلا ما ذكر


(١) انظر: الاستذكار ١٠/ ١١٨.
(٢) انظر: التمهيد ٧/ ١٧٩، الاستذكار ١٠/ ١١١.
(٣) الاستذكار ١٠/ ١١١.
(٤) التمهيد ٧/ ١٧٨، الاستذكار ١٠/ ١١١.
(٥) فى س: يلزمونه.
(٦) قال الشافعى والثورى فى رواية الأشجعى وأبو حنيفة وأصحابه والحسن بن حيى وأبو ثور وإسحاق بن راهويه: ليس عليه شىء، لا قضاء ولا كفارة، بمنزلة من أكل ناسياً عندهم، وهو قول الحسن وعطاء ومجاهد وإبراهيم. انظر: الاستذكار ١٠/ ١١١.
(٧) البخارى، ك المحاربين، ب من أمر غير الإمام بإقامة الحد، من حديث أبى هريرة وزيد بن خالد ٨/ ٢١٢.
(٨) انظر: التمهيد ٧/ ١٧٨، ١٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>