للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْجِدِ فِى رَمَضَانَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، احْتَرَقْتُ، احْتَرَقْتُ. فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا شَأَنُهُ؟ ". فَقَالَ: أَصَبْتُ أَهْلِى. قَالَ: " تَصَدَّقْ " فَقَالَ: وَاللهِ، يَا نَبِىَّ اللهِ مَالِى شَىْءٌ،

ــ

سعيد بن المسيب، ذكره مالك فى الموطأ (١)، وقد أنكر سعيد على عطاء روايته عنه " البدنة " (٢)، ولم يذكر مسلم فى هذا الباب قضاء ذلك اليوم عليه، وبه احتج من لم يره.

وقد اختلف من قال بالكفارة فى الجماع وغيره أو فى الجماع فقط، هل يلزم مع الكفارة القضاء؟ فمالك يُوجب عليه القضاء مع الكفارة، وهو قول الشعبى، والزهرى، والثورى، وأبى حنيفة، وأصحابه، وأحمد، وإسحاق. وقال الأوزاعى: إن كفّر بالصوم أجزأه الشهران، وإن كفّر بغيره صام يوماً للقضاء. واختلف فيه قول الشافعى، وقد جاء فيه من رواية عمرو ابن شعيب: " وأمره أن يقضى يوماً مكانه " (٣)، ومثله فى حديث ابن المسيب فى الموطأ (٤).

واختلفوا فيمن أفطره بغير جماع ناسياً، فمالك يرى عليه القضاء فى مشهور مذهبه، وهو قول جميع أصحابه، وقول ربيعة، وذهب كافة الفقهاء إلى أنه لا شىء عليه، وأن الله أطعمه وسقاه على ما جاء فى حديث أبى هريرة (٥). وقال الداودى: لعل مالكاً لم يبلغه الحديث، أو تأول ذلك فى رفع الإثم عنه، وقال غيره: بل لإثبات عذره، وسقوط الكفارة عنه، وزيادة من زاد فيه: " ولا قضاء عليه " أكثر أسانيدها ضعيفة، وقد صحح الدارقطنى بعضها (٦)، وفى حديث الأعرابى: أن من جاء مُستفتياً فيما فيه الاجتهاد دون الحدود المحدودة أنه لا يلزمه تعزير ولا عقوبة، كما لم يعاقب النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [الأعرابى] (٧) على هتك حرمة الشهر؛ لأن فى مجيئه واستفتائه ظهور توبته وإقلاعه؛ ولأنه لو عوقب كل من جاء مجيئه لم يستفت أحدٌ غالباً عن نازلته مخافة العقوبة بخلاف ما فيه حد محدود، وقامت على


(١) الموطأ ٢/ ٢٩٧ رقم (٢٩).
(٢) وروى عن أيوب، عن القاسم بن عاصم؛ أنه قال لسعيد بن المسيب: إن عطاء الخراسانى يحدث عنك فى الرجل الذى وقع على أهله فى رمضان أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمره بعتق رقبة، قال: لا أجد. فقال: " انحر جزوزًا "، فقال: لا أجد، فتصدق بعشرين صاعاً من تمر، فقال سعيد: كذب الخراسانى، إنما بلغنى أن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال له: " تصدق " فتصدق. قال أبو عمر: قد ذكرنا هذا الحديث فى التمهيد اضطراب فيه على القاسم بن عاصم ولا يجرح بمثله عطاء الخراسانى بفضله وشهرته فى العلم والخبر، أكثر من شهرة القاسم بن عاصم، وإن كان البخارى ذكر عطاء الخراسانى بهذا الخبر فى كتاب الضعفاء له، ولم يتابعه أحد على ذلك، وعطاء مشهور الفضل، وأما ذكر البدنة فى هذا الخبر فلا أعلمه روى عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسندًا إلا من رواية ليث عن مجاهد وعطاء جميعاً عن أبى هريرة، ذكره البخارى فى التاريخ الكبير (٦/ ٤٧٤) عن ابن شريك عن أبيه عن ليث عن عطاء. ثم قال فى التمهيد: خبر عطاء باطل. انظر: التمهيد ٢١/ ٩، ١٠، والاستذكار ١٠/ ١١٢ - ١١٤.
(٣) أحمد فى المسند عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. بلفظ: وأمره أن يصوم يوماً مكانه ٢/ ٢٠٨، وقال الهيثمى فى المجمع: " وفيه الحجاج بن أرطاة وفيه كلام " ٣/ ١٦٨، وفى الاستذكار: وأمره أن يقضى يوماً مكانه ١٠/ ٩٩.
(٤) الموطأ ١/ ٢٩٧ رقم (٢٩)، وكذا ابن ماجه ١/ ٥٣٤ عن أبى هريرة، البيهقى فى السنن الكبرى ٤/ ٢٢٦.
(٥) سيأتى بعد إن شاء الله، ب أكل الناسى وشربه وجماعه لا يفطر.
(٦) منها ما أخرجه الدارقطنى فى السنن عن أبى هريرة قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إذا أكل الصائم ناسياً أو شرب ناسياً، فإنما هو رزق ساقه الله إليه ولا قضاء عليه "، وقال: إسناد صحيح وكلهم ثقات، وأخرج - أيضاً - عن أبى هريرة عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " من أفطر فى شهر رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة "، ثم قال: تفرد به محمد بن مرزوق وهو ثقة. انظر: السنن ٢/ ١٧٨.
وروى الحاكم هذا الأخير فى مستدركه وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبى. ك الصوم ١/ ٤٣٠ ولقد أخرج الدارقطنى سبعة أحاديث فى الباب ما يدل على هذا وإن كانت كلها ضعيفة ولكن ضعفها ليس بالكبير. السنن ٢/ ١٧٩.
(٧) من س.

<<  <  ج: ص:  >  >>