للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبِيهِ - رَضِى اللهُ عَنْهُ - قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَاهُ رَجُلٌ عَلَيْهِ جُبَّةٌ، بِهَا أَثَرٌ مِنْ خَلُوقٍ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى أَحْرَمْتُ بِعُمرَةٍ. فَكَيْفَ أَفْعَلُ؟ فَسَكَتَ عَنْهُ، فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيْهِ. وَكَانَ عُمَرُ يَسْتُرُهُ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الوَحْىُ، يُظِلُّهُ. فَقُلْتُ لِعُمَرَ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ -: إِنِّى أُحِبُّ، إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الوَحْىُ، أَنْ أُدْخِلَ رَأْسِى مَعَهُ فِى الثَّوْبِ. فَلَمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ، خَمَّرَهُ عُمَرُ - رَضِىَ اللهُ عَنْهُ - بِالثَّوْبِ، فَجِئْتُهُ فَأَدْخَلْتُ رَأْسِى مَعَهُ فِى الثَّوْبِ، فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ. فَلَمَّا سُرِّىَ عَنْهُ قَالَ: " أَيْنَ السَّائِلُ آنِفًا عَنِ العُمْرَةِ؟ " فَقَامَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ. فَقَالَ: " انْزِعْ عَنْكَ جُبَّتَكَ، وَاغْسِلْ أَثَرَ الخَلُوقِ الَّذِى بِكَ، وَافْعَلْ فِى عُمْرَتِكَ مَا كُنْتَ فَاعِلاً فِى حَجِّكَ ".

ــ

هذا الحديث على أن الطيب كان من زعفران، وقد نهى الرجل عن الزعفران، واحتج لمذهبه بقول عائشة: " كنت أطيب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت "، وانفصل أصحابنا (١) عن هذا بأنه يمكن أن يكون طيبته بما لا يتقى ريحه، أو يكون اغتسل للإحرام بعد أن طيبته فذهب الطيب عنه، وقال أبو الفرج من أصحابنا (٢): هذا من خواصه - عليه السلام - لأن المحرم إنما منع من التطيب لئلا يدعوه إلى الجماع، والنبى - عليه السلام - كان يملك إربه فيؤمن عليه من الطيب.

فإن قيل: فلم لم يأمر النبى - عليه السلام - الأعرابى بالفدية لتطيبه ولباسه؟ قيل: محتمل أن يكون عذره لأنه لم يكن أوحى إليه بتحريم الطيب، أو لعله لم يطل مقامه عليه ولا انتفع به، وأحل مالك فيمن تطيب جاهلاً أو ناسياً، فإنما يفتدى إذا طال لبثه عليه أو انتفع به (٣)، ومذهب الشافعى أنه لا فدية عليه أصلاً (٤)، ومذهب أبى حنيفة أنه يفتدى على كل حال (٥).

وأما أمره - عليه السلام - بنزع الجبة، فهو رد لقول من قال من الفقهاء: إنه يشق ما عليه من المخيط، ولا ينزعه من رأسه؛ لئلا يكون مغطياً لرأسه، والمحرم لا يغطى رأسه. ولم يستنكر تمزيق الثياب وإن كان إفساداً للمال، كما لم يستنكر قطع الخفين - كما جاء فى الخبر - وإن كان إفساداً لهما.

قال القاضى: القائل بشق الثوب الشعبى (٦) والنخعى، وجاء فى هذا الحديث: " يا رسول الله، إنى أحرمت بعمرة وأنا كما ترى "، وفى الرواية الأخرى: " كيف ترى فى رجلٍ أحرم بعمرة [فى جبة] (٧) بعد ما تضمخ بطيب ": ففيه بيان أن المحرم يمنع من


(١) و (٢) فى ع: أصحاب مالك.
(٣): (٥) الحاوى ٤/ ١٠٥.
(٦) شرح معانى الآثار ٢/ ١٣٩، الاستذكار ١١/ ٦٦.
(٧) من س.

<<  <  ج: ص:  >  >>