للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال القاضى: وقوله: " ارم ولا حرج " قيل: هى إباحة لما فعل وقدم وإجازة له، لا أمرٌ بالإعادة، كأنه قال: افعل ذلك كما فعلته قبل أو متى شئت ولا حرج عليك؛ لأن السؤال إنما كان عما انقضى وتم.

قال القاضى: وَأَجمع العلماء أن سنة الحاج أن يرمى جمرة العقبة يوم النحر ثم يحلق بمنى، ثم يطوف طواف الإفاضة (١). ثم اختلفوا فيمن قدم شيئاً من ذلك على ما قبله، فمذهب مالك ما تقدم فى الثلاثة - النحر والحلق والرمى - من التفريق. واختلف قوله إذا قدم الإفاضة على الرّمى، فقيل: يجزيه وعليه الهدى، وقيل: لا يجزيه، وهو كمن لم يفض، وقال: يعيدها بعد الرمى والنحر، وكذلك قال: إذا رمى ثم أفاض قبل الحلاق، فقال مرة يجزيه، وقال: يعيد الإفاضة (٢) بعد الحلاق، وقال فى الموطأ: أحبّ إلى أن يهريق دماً وإن قدّمها على الذبح (٣)، وقال الشافعى وفقهاء أصحاب الحديث فى جماعة من السلف: لا شىء عليه فى الجميع، قدم منها ما قدم، وأخر ما أخر؛ لظاهر الحديث. وقال أبو حنيفة: على من حلق قبل أن يرمى أو ينحر دم، وخالفه صاحباه، (٤)، وقال: وإن كان قارناً فحلق قبل النحر فدمان، وقال زفر: عليه ثلاثة (٥)، وروى عن ابن عباس فيمن قدم شيئًا من النسك أو أخره: عليه دم، وليس بالثابت عنه (٦). ونحوه عن ابن جبير وقتادة والحسن والنخعى، ولم يختلفوا فيمن يحل قبل الرمى: أنه لا شىء عليه.

وفى قوله: لم أشعر فقال: " لاحرج " وهذا بيّن فى رفع الإثم والفدية معاً كما قال عطاء: هو عام فيهما وهذا بيّن فى رفع الحرج عن السّاهى ولم يفرق العلماء بين العامد والسّاهى فى ذلك، لكن رفع الحرج فى الإثم بالكلية عن السّاهى بيّن، وعنهما جميعاً فى الفدية (٧)، ويبقى حكم المتعمد المتهاون فى الإثم، والأصل أن تارك سنة غير مؤثم إلا أن يتركها متهاوناً، فهاهنا يؤثم بالتهاون لا من نفس تركها وكذلك يختلف عندنا فى فساد العمل بترك السنة متهاوناً.


(١) الاستذكار ٣/ ٣٢١.
(٢) ودليله: ما جاء فى موطئه عنه عن نافع، عن عبد الله بن عمر؛ أنه لقى رجل من أهله يقال له: المجبر، قد أفاض ولم يحلق ولم يقصر، جهل ذلك فأمره عبد الله أن يرجع فيحلق أو يقصر، ثم يرجع إلى البيت فيفيض. الموطأ ١/ ٣٩٧.
(٣) انظر: الموطأ، ك الحج، ب التقصير. ثم قال مالك: وذلك أن عبد الله بن عباس قال: من نسى من نسكه شيئاً فليهرق دماً. الموطأ ١/ ٣٩٧.
(٤) انظر: البدائع ٣/ ١١٣٠.
(٥) انظر: الاستذكار ١٣/ ٣٢٤.
(٦) قال ابن عبد البر: وليست الرواية عنه بالقوية، ولم يفرق بين ساهٍ ولا عامد؛ انظر: الاستذكار، السابق.
(٧) قال ابن عبد البر: ولا أعلم لأهل العلم جواباً فى المتعمد فى ذلك ولو كان مخالفاً للجاهل والساهى لفرقوا بينه فى أجوبتهم فى كتبهم. انظر: الاستذكار، السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>