للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَا رَسُولَ اللهِ، إِن أَبِى شَيْخٌ كَبِيرٌ، عَليْهِ فَرِيضَةُ اللهِ فِى الحَجِّ، وَهُوَ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِىَ

ــ

أكنت تقضينه؟ " (١) والدين واجب وليس هذا بظاهر، إذ لا يلزم الولى قضاء دين وَليه، وإنما تمثيله بقضاء الدين فى المنفعة لحجها عنه من الأجر بما تنفق عنه فيه، ولا سيما إن كان الميت قد نذره، كما جاء فى الحديث الآخر: " وعليها نذر " (٢)، فصارت تلك النفقة كالدين عليها؛ إذ الحج يجمع عمل المال والبدن، فمن أداه عنه أبرأ ذمته منه كالدين، وبما يناله من بركة دعائها هناك كما ينتفع بأداء الدين وزوال تباعته إذا قضاه عنه، وقد روى فى هذا: " قيل: أينفعه؟ قال: كما لو كان على أحدكم الدين فيقضيه وليُّه " (٣)، وليس هذه صورة الوجوب، وقد روى عبد الرزاق عن الثورى: أن رجلاً سأل النبى - عليه السلام -: أأحج عن أبى؟ قال: " إن لم يزده خيراً لم يزده شراً " (٤) لكنه مما تفرد به عبد الرزاق عن الثورى.

قال أبو عمرو: حديث الخثعمية عند مالك وأصحابه مخصوص بها، كما خص سالم مولى أبى حذيفة برضاعة الكبير عنده وعند المخالف، وقال غيره: فى حديث الخثعمية اضطراب لا تقوم به حجة، مرة جاء: " إن فريضة الله أدركت أبى " كما هنا، ومرة جاء: " إن أمى ماتت وعليها نذر " (٥)، ومرة جاء: أن السائل رجل، ولكن قد يحتمل - أيضاً - أنها قصص متفرقة، ومذهب مالك والليث والحسن بن حيى: أنه لا يحج أحد عن أحد، إلا عن ميت (٦) لم يحج حجة الإسلام ولا ثبوت عن فرضه. قال مالك (٧): إذا أوصى، وكذلك عنده ولو كان أوصى بالتطوع. وحكى عن النخعى وبعض السلف: لا يحج أحد عن أحد جملة، وحكى عن مالك مثله وإن كانت وصية، وقال جمهور الفقهاء: يجوز أن يحج عن الميت عن فرضه ونذره (٨)، وإن لم يوص بذلك ويجزى عنه، واختلف قول الشافعى فى الإجزاء عن الفرض، وأجاز أبو حنيفة والثورى وصية الصحيح بالحج عنه تطوعاً، وروى مثله عن مالك، وقال بعض أصحابنا: لا يجوز ذلك إلا الابن عن أبيه (٩)، وقال آخرون: أو عن ذوى القرابة القريبة (١٠)، يعنون من الموتى. وقال سفيان والحسن بن على: لا تحج فى الوصية بالحج من لم يحج عن نفسه، وقاله


(١) سبق تخريجه ص ٢٨١.
(٢) البخارى، ك الوصايا، ب ما يستحب لمن يتوفى فجأة أن يتصدقوا وقضاء النذور على الميت ٢/ ١٠، وأبو داود، ك الأيمان والنذور، ب فى قضاء النذر عن الميت ١/ ٢١٢.
(٣) مسند الحميدى ١/ ٢٣٥ برقم (٥٠٧).
(٤) المصنف، ك الوصايا، ب الصدقة عن الميت ٩/ ٦٠ (١٦٣٤١) بنحوه.
(٥) البخارى، ك الاعتصام، ب من شبه أصلاً معلوماً بأصل مبين قد بين الله حكمها ليفهم السائل ٣/ ١٣٥.
(٦): (٨) انظر: التمهيد ٩/ ١٣٤ وما بعدها.
(٩) و (١٠) انظر: التمهيد ٩/ ١٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>