للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

" وصَمْتُهَا إِقْرَارُهَا ".

ــ

ذهب إليه من التفرقة. وأجاب أصحابنا عن ذلك: بأن المراد أنها أحق بنفسها فى تعيين الأزواج لا فى تولى العقد، كما قال داود: إنها أحق فيهما جميعاً. قال أصحابنا: والدليل لما قلناه: أن لفظة " أحق " من أبنية المبالغة وذلك يشعر بأن للولى حقاً ما معها، وليس إلا ما قلناه من تولى العقد.

وأما أبو حنيفة فله القياس على البياعات، فإنها تنعقد وإن باشرتها المرأة بنفسها، وكذلك إجازتها لنفسها. وإذا ثبت أن بيعها وإجارتها لا يفتقر إلى ولاية، [والنكاح لا يخلو أن يكون بيعًا أو إجارة، وأى ذلك كان وجب ألا يفتقر إلى ولاية] (١) قياسًا على ما قلناه، وتحمل الظواهر الواردة بإثبات الولاية على الأمة والبكر الصغيرة، ويخص عمومها بهذا القياس وتخصيص العموم بالقياس مختلف فيه عند أهل الأصول.

وأما أبو ثور فله قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل؛ فإن اشتجروا فالسلطان ولى من لا ولى له "، ودليل هذا الخطاب: أنها إذا نكحت بإذن وليها فنكاحها صحيح، وأيضاً فإن الولى إنما أثبت لما يلحقه من المعرة بأن تضع نفسها فى غير كفء، فإذا أذن سقط حقه فى ذلك، فلا معنى لتوليه العقد.

والولى إذا تولى العقد تولاه على قسمين:

أحدهما: يفتقر إلى إذن المنكحة.

الثانى: لا يفتقر إلى ذلك.

فأما الذى يفتقر إلى ذلك فالعقد على سائر الثيبات إلا ذات الأب إذا تثيبت قبل البلوغ، ففى افتقار عقد أبيها إلى استئذانها ثلاثة أقوال عندنا: إثباته على الإطلاق، [وإسقاطه على الإطلاق] (٢)، وإثباته ما لم تبلغ فإذا بلغت سقط. وأما التى تثيبت بعد البلوغ فلا أعلم خلافاً بين الأئمة أنها لا تجبر، إلا شيئًا ذكر عن الحسن أن الأب يجبرها على الإطلاق، ولعله أراد التى تثيبت قبل البلوغ.

وأما الذى لا يفتقر إلى إذن، فالسيد فى أمته، والأب فى ابنته البكر قبل أن تبلغ عند سائر العلماء، إلا من شذ منهم، ورأيت بعض العلماء حكى الاتفاق فى ذلك، والرد على هؤلاء الشواذ إن لم يثبت الاتفاق قبلهم قوله تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيض} إلى قوله: {وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْن} (٣) فأثبت من لم تحض من نسائنا، فدل على صحة العقد عليها قبل البلوغ؛ إذ غير البالغ لا يصح منها أن تعقد.

وهذا الجبر مختص بالآباء، فأما غيرهم من الأولياء فلا يملكون جبر هذه البكر، وإن كانت يتيمة على المشهور من المذهب عندنا. وعندنا قول شاذ: أن لغير الأب من الأولياء


(١) و (٢) سقط من الأصل، واستدرك بالهامش بسهم.
(٣) الطلاق: ٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>