للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِنَعْلَى هَاتَيْنِ، فَمَنْ لَقِيتَ مِنْ وَرَاءِ هذَا الْحَائِطِ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ، مُسْتَيْقِناً بِهَا قَلْبُهُ فَبَشِّرْهُ بِالجَنَّةِ "، فَكانَ أَوَّلَ مَنْ لَقِيتَ عُمَرُ. فَقَالَ: مَا هَاتَانِ النَّعْلَانِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ فَقُلْتُ: هَاتَانِ نَعْلا رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَعَثَنِى بِهِمَا، مَنْ لَقِيتُ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلا اللهُ مُسْتَيْقِناً بِهَا قَلْبُهُ، بَشَّرْتُهُ بِالْجَنَّةِ. فَضَرَبَ عُمَرُ بِيَدِهِ بَيْنَ ثَدْيَىَّ، فَخَرَرْتُ لاِسْتى. فَقَالَ: ارْجِعْ يَا أَبَاهُرَيْرَةَ. فَرَجَعْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَجْهَشْتُ بُكَاءً، وَرَكِبَنِى عُمَرُ، فَإِذَا هُوَ عَلَى أَثَرِى. فَقَالَ لِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا لَكَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ ". قُلْتُ: لَقِيتُ عُمَرَ فَأَخْبَرتُهُ بالَّذِى بَعَثْتَنِى بِهِ، فَضَرَبَ بَيْنَ ثَدْيَىَّ ضَرْبَةً، خَرَرْتُ لاسْتِى. قَالَ: ارْجِعْ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَا عُمَرُ، مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا فَعَلْتَ؟ ". قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى، أَبَعَثْتَ أَبَا هُرَيْرَةَ بِنَعْلَيْكَ، مَنْ لَقِىَ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلهَ إِلَّا اللهُ، مُسْتَيْقِناً بِهَا قَلْبُهُ، بَشرهُ بِالجَنَّةِ؟ قَالَ. " نَعَمْ ". قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ، فَإِنِّى أَخْشى أَنْ يَتكِلَ النَّاسُ عَلَيْهَا، فَخَلِّهمْ يَعمَلُونَ. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

ــ

الطبرى: هو الفزع والاستغاثة، وقال ابن زيد: جهشت للبكاء وللحزن (١) والشوق جهوشاً.

وقوله: " ركبنى عمر فإذا هو على أثرِى ": أى اتبعنى فى الحين دون تمهل ولا تثبت، ومنه حديث حذيفة: " إنما تهلكون إذا صرتم تمشون الركبات كأنكم يعاقيب حجل " (٢). قال القتبى: أراد أنكم تمضون على وجوهكم دون تثبت ولا روية ولا استئذان من هو أسنُ منكم يركب (٣) بعضكم بعضاً فعل اليعاقيب.

وقوله: " فضربنى عمر بيده بين ثديى (٤) فخررت لاستى ": أى سقطت على [عجزى] (٥) " وقال: ارجع ". الأولى أن عمر لم يقصد بضربه فى صدره إلا رده، والدفع فى صدره، ليرجع كما قال له، لا ليؤذيه ويوقعه، وكان سقوطه من غير تعمد لذلك، بل لشدة الدفع، وليس فعل عمر ومراجعة النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فى ذلك اعتراضاً عليه ورد الأوامر؛ إذ ليس فيما وجّه به معاذ (٦) غير تطييب قلوب أمته وبشراهم، فرأى عمر أن كتم هذا عنهم أصلح لهم، وأذكى لأعمالهم، وأوفر لأجورهم ألا يتكلوا، وأنه أعود بالخير عليهم من مُعَجَّلةِ هذه البشرى، فلما عرض ذلك على النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صوَّبه له، وقد يكون رأى عمر للعموم وأمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وسلم للخصوص، وخشى عمر إن حصل فى الخصوص أن يفشو ويتسع.

وفى هذا الحديث من الفقه والذى قبله: إدخال المشورة على الإمام من أهل العلم والدين


(١) فى ت: والحزن.
(٢) لم أعثر عليه، واليعقوبُ: هو ذكرُ الحجل.
(٣) فى ت: فركب.
(٤) فى الأصل: ثدى.
(٥) من ق، وباقى النسخ: وجهى. وهو غير مناسب. والاست: من أسماء الدبر، والأحسن فيما يقبح سماعه الكناية عنه، بذلك جاء الشرع، ومنه قوله تعالى: {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} [النساء: ٢١]، إلا أن يكون فى التصريح مصلحة راجحة كقوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي}. [النور: ٢]. إكمال الإكمال ١/ ١٢٤.
(٦) فى ت: أبا هريرة، وأظنه الصواب.

<<  <  ج: ص:  >  >>