للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أُمِّهِ، تُوُفِّيَتْ قَبْلَ أَنْ تَقْضِيَهُ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَاقْضِهِ عَنْهَا ".

ــ

وعند مالك وكافة العلماء: فيه كفارة يمين، ويأتى فيه أثر مفسرٌ عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صحيح، وسواء كان عندنا لا على وجه القصد والتوبة، أو وجه الخوف ووجه الغضب فى الحرج إذا قيده أو أطلقه يلزم. وقال الشافعى: هو مخير فى نذر الحرج المقيد أن يفى به أو يكفر كفارة يمين، وسيأتى ذكره.

وأما النذر بشىء مباح كالقيام والمشى إلى السوق ونحوه، فعند مالك وكافة العلماء: لا يلزم، وهو مكروه؛ لأنه من تعظيم ما لا يعظم، بل ظاهر كلام مالك أنه من نذر المعصية (١). وقال أحمد بن حنبل: هو لازم يخير بين فعله أو كفارة يمين.

وقوله: " ولم تقضه ": يحتمل أنه وجب عليها فلم تقضه؛ ولهذا حضه - عليه السلام - على قضائه عنها، وهو أظهر من لفظ الحديث، لاسيما مع الحديث المتقدم: " إنما ماتت فجأة " (٢). وقيل: يحتمل أن تكون عقدته ولم يجب عليها.

وهذا الحديث مما يحتج به الشافعى فى أن مَنْ وجب عليه حق فى ماله من يمين أو نذر أو كفارة - فهى مقضية من ماله كديونه اللازمة. ومالك وأبو حنيفة وأصحابهما يخالفونه فى ذلك، ويرون أنه لا يقضى شىء من ذلك إلّا أن يوصى به. ثم اختلفوا هل يكون فى ثلثه؟ وهو قولنا، وعند غيرنا فى رأس ماله. واختلف أصحابنا فيما لم يفرط فيه من زاد كالزكاة الحالة وشبهها، فعند ابن القاسم: أنها تخرج إذا أوصى بها من رأس المال، ولا يلزم إذا لم يوصِ بها. وعند أشهب: يخرج من رأس المال، أوصى بها أم لا.

واختلف فى نذر أم سعد ما كان؟ فقيل: كان نذرًا مطلقًا، وقيل: كان صومًا، وقيل: كان عتقًا، وقيل: كان صدقة. واستدل كل قائل بأحاديث وردت فى قصة أم سعد. ويحتمل أن النذر عليها ورد فى تلك الأحاديث، والله أعلم (٣). وأظهر ما فيها أن نذرها كان فى المال أو نذرًا مبهمًا، ويكون حديث من احتج لذلك برواية مالك لما قيل لها: أوصى، قالت: فيم أوصى وإنما المال مال سعد؟ أى فأوصى فيه بقضاء نذرى. ويطابق هذا قول من روى: " فأعتق عنها "، فإن العتق من الأموال ومن كفارة النذور وليس فيه كفارة قطع على أنه كان عليها عتقًا، كما استدل به من قال: إنه كان عليها رقبة، ولأن هذا كان من باب الأموال المتفقة على النيابة فيها، ويعضده - أيضاً - ما رواه الدارقطنى من حديث مالك: فقال له - يعنى النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اسق عنها الماء ". وأما حديث القوم فقد قاله أهل الصنعة للاختلاف بين رواته فى سنده وكثرة اضطرابه.


(١) التمهيد ٢/ ٦٣.
(٢) سبق فى ك الوصية.
(٣) انظر: الاستذكار ١٥/ ١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>