للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: فَجَاءَتِ الْغَامِدَيَّةُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّى قَدْ زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِى، وَإِنَّهُ رَدَّهَا، فَلَمَّا كَانَ الْغَد قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَ تَرُدُّنِى؟ لَعَلَّكَ أَنْ تَرُدَّنِى كَمَا رَدَدْتَ مَاعِزًا. فَوَاللهِ، إِنِّى لَحُبْلَى. قَالَ: " إِمَّا لَا، فَاذْهَبِى حَتَّى تَلِدِى ". فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بِالصَّبِىِّ فِى خِرْقَةٍ. قَالَتْ: هَذَا قَدْ وَلَدْتُهُ. قَالَ: " اذْهَبِى فَأَرْضِعِيهِ حَتَّى تَفْطِمِيهِ ". فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بِالصَّبِىِّ فِى يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ. فَقَالَتْ: هَذَا يَا نَبِىَّ اللهِ، قَدْ فَطَمْتُهُ، وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ. فَدَفَعَ الصَّبِىَّ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهَا فَحُفِرَ لَهَا إِلَى

ــ

ولم يختلفوا فى غير الطافح أن طلاقه لازم، وإنما اختلف العلماء فى الطافح ومذهبنا إلزامه جميع أحكام الصحيح؛ لأنه أدخل ذلك على نفسه، وهو حقيقة مذهب الشافعى، وفرق بين الشارب المختار لا المستكره، ومن شرب ما لا يعلم أنه يسكره فسكر منه، فقال: هذا لا يلزمه شىء، وهو كالمغمى عليه فى أحكامه. وبعض متأخرى شيوخنا يذهب إلى أنه لا يلزمه إذا تحقق ذلك منه، كما قال الشافعى (١).

وقوله: " فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر ": حجة لمالك وأصحابه فى الحد من وجود الريح، وهو قول جمهور أهل الحجاز، خلافاً للشافعى والكوفيين فى أنه لا يحد إلا من الشهادة على شربها أو قيئها. قال الثورى: أو يوجد سكراناً. واختلف أصحاب الشافعى فى هذا الوجه، وذهب بعضهم إلى أنه يحد المدمن بالريح بخلاف غيره.

وقوله: " طهرنى "، وقول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مم أطهرك؟ ": فيه حجة أن الحدود تكفر الذنوب، كما جاء فى الحديث الآخر من استغفار النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له، وشهادته له بالتوبة، وأنه لا توبة أفضل من توبته.

وفى قوله فى الرواية الأخرى: " أزنيت؟ " قال: نعم، فأمر به فرجم، وفى الأخرى: فاعترف بالزنا، حجه ثلاث مرات، وفى الأخرى: فرده النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرتين، وفى الأخرى: مراراً، يضعف الحجة أربع مرات فى الإقرار؛ لاضطراب الرواية فيها بمآثره فى الصحيح.

وفى قول الغامدية لما قالت له: طهرنى. فقال: " ويحك، ارجعى فاستغفرى الله وتوبى ". فقالت: أتردّدنى كما رددت ماعز بن مالك؟ قال؟ " وما ذاك؟ " قالت: إنى حبلى من الزنا: فيه نحو ما فى حديث ماعز من الحض على الستر. والغامدية بالغين


(١) انظر: الاستذكار ١٨/ ١٦٠ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>