للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(٩) باب بيان خير الشهود]

١٩ - (١٧١٩) وحدّثنا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللهِ ابْن أَبِى بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْن عَمْرٍو بْن عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِى عَمْرَةَ الأَنْصَارِىِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِىِّ؛ أَنَّ النّبِىَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ الَّذِى يَأْتِى بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا ".

ــ

وقوله: " ألا أخبركم بخير الشهداء؛ الذى يأتى بشهادته قبل أن يسألها "، قال الإمام: يحتمل أن يراد به من تحمل شهادة ولم يعلم بها المشهود له، فإنه ينبغى له أن يعلمه؛ ليكون مستعداً بشهادته؛ ليفعل ما يفعل مع خصمه وهو على ثقة بما له وعليه.

قال القاضى - رحمه الله -: بنحو هذا فسر مالك الحديث، وزاد: ويرفع ذلك إلى السلطان. وقيل: قد يحتمل أن يكون فيما لا يختص بحق آدمى، ويكون من حقوق الله تعالى الذى لا ينبغى السكوت عليها؛ كإنكار الطلاق والعتاق والحيس والصدقات، من علم شيئًا من ذلك وجب رفعه إلى الإمام، والشهادة به عنده لغيره. قال الله - عز وجل -: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّه} (١)، فإن كان الشهود جماعة وجب على كل واحد منهم رفع ذلك، حتى إذا قام بذلك بعضهم سقط عن الباقين؛ إذ القيام بالشهادة من فروض الكفاية. وكذلك يلزم من رفع الشهادة بالحدود، وإذا كان صاحبها قائماً عليها؛ كمعاقرى الشراب والمختلى بالمرأة للفجور؛ ولأن ذلك من تغيير المنكر.

ولا يلزم من ذلك إذا كانت المعصية قد انقضت؛ لما جاء فى الستر على المسلم، إلا أن يكون مشهوراً بالفسوق، ومشتهراً بالمعاصى، مجاهراً بذلك. فقد كره مالك وغيره الستر عن مثل هذا، ورأى رفعه والشهادة عليه بما اقترفه ليرتدع عن فسوقه، وليس يخرجه سكوته وستره عليه لما فعل. وأما الأول المستديم للمعصية بركوبها، أو ببقائه مع المطالعة، أو استخدامه الفسق، فسكوت العالم بها، وترك رفع أمره، وتغيير منكره والشهادة به - جرحة فى شهادته.

واختلف مذهبنا فى تجريحه بسكوته عن الشهادة بحقوق الآدميين وترك رفعها وهو يرى حقوقهم بيد غيرهم، وصاحب الحق حاضر غير عالم، هكذا أطلق بعض شيوخنا عن مذهب ابن القاسم أنها جرحة، وعند بعضهم أن تكون جرحة فى الشهادة نفسها وجَوْرًا عليها لا


(١) الطلاق: ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>