للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

شهادة من هو فى يديه، ولو كان حقاً تستحق المطالبة به لم يعط إلا ببينة لحق أهل الجيش فى المغنم، ولكن لما كان من الخمس على جهة الاجتهاد أداه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجتهاده إلى إعطائه إياه على هذه الصفة. وقد أعطى سلب أبى جهل أحد قاتليه مع قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كلاكما قتله "، وهذا لا يصح إلا على مذهبنا أنه يصرفه حيث شاء، وقد كانت وقائع لم يعط فيها السلب للقاتلين، وقد قال عز من قائل: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُول} (١)، فعم السلب وغيره.

قال القاضى: واختلف العلماء فى حمل هذا اللفظ على العموم والخصوص، فحمله بعضهم على العموم فيمن يسهم له ومن لا يسهم له، رجلاً كان أو امرأة أو صبياً، وهو أحد قولى الشافعى. وعندنا أنه لا يستحق إلا من يقاتل، وقاله الشافعى مرة. وقال الليث والشافعى والأوزاعى وأحمد وإسحاق والطبرى والثورى وأبو ثور: السلب للقاتل على كل حال، قاله الأمراء ولم يقله، وهى قضية من رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلا أن الشافعى اشترط أن يقتله مقبلاً، والأوزاعى اشترط أن الحرب إذا التحمت فلا سلب حينئذ لقاتل وإنما ذلك قبل التحامها، وهو مذهب الشاميين، وغيرهم لا يشترطون شيئاً، ويرون ذلك لكل قاتل فى معركة أو غيرها، قتل مقبلاً أو مدبراً. وذهب مالك وأبو حنيفة والثورى أنه ليس بحق للقاتل وأنه غنيمة الجيش، إلا أن يجعل الأمير ذلك للقاتل (٢).

واختلفوا فى تخميسه فقال مالك والأوزاعى ومكحول: يخمس، وقاله إسحاق إذا كثر، ونحوه عن عمرو. قال الشافعى: يخمس، وقاله أحمد والطبرى وحكى ابن خويزمنداد عن مالك أن الإمام مخير بالاجتهاد فيه، إن شاء خمسه وإن شاء لم يخمسه (٣). واختاره إسماعيل القاضى.

واختلفوا ما هو السلب الذى يستحق القاتل، فقيل: فرسه الذى يركبه وكل شىء عليه من لبوس وسلاح وآلة له ولفرسه ولسلاحه؛ كالشوكار والمنطقة والسوار والخاتم والطوق والتاج واللجام والسرج وإن كان فيها الذهب والفضة والجوهر، وهذا مذهب الأوزاعى، وبه قال ابن حبيب من أصحابنا، وبه عمل جماعة من الصحابة، ونحوه مذهب الشافعى، إلا أنه تردد فى السوارين والحلية وما فى معناها من غير حلية الحرب. ومذهب ابن عباس: الفرس والسيف والدرع والرمح وفى معناه السلاح، وهو معنى مذهب مالك. وذهب سحنون إلى نحو مذهب الشافعى من الفرس واللباس والسلاح، وحلية السلاح دون حلية الحرب، ولم ير أحمد الفرس من النفل ووقف فى السيف وشذ فى هذا، ورأى ابن حبيب


(١) الأنفال: ٤١.
(٢) انظر: المغنى ١٣/ ٧٠ وما بعدها، الاستذكار ١٤/ ١٣٧ وما بعدها.
(٣) انظر: الاستذكار ١٤/ ١٤٠ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>