للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَنَفَّلَنِى أَبُو بَكْرٍ ابْنَتَهَا. فَقَدِمْنَا المَدِينَةَ وَمَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا، فَلَقِيَنِى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى السُّوق. فَقَالَ: " يَا سَلَمَةُ، هَبْ لِى المَرْأَةَ ". فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ، لَقَدْ أَعْجَبَتْنِى، وَمَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوْبًا. ثُمَّ لَقِيَنِى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الغَدِ فِى السُّوقِ. فَقَالَ لِى: " يَا سَلَمَةُ، هَبْ لِى المَرْأَةَ، للهِ أَبُوكَ! " فَقُلْتُ: هِىَ لَكَ. يَا رَسُولِ اللهِ. فَوَاللهِ، مَا كَشَفْتُ لَهَا ثَوبًا، فَبَعَثَ بِهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ. فَفَدَى بِهَا نَاسًا مِنَ المُسْلِمِينَ، كَانُوا أُسِرُوا بِمَكَّةَ.

ــ

يفادى به. ومنع أبو حنيفة المن والفداء. وفى هذا الحديث المفاداة بهذه المرأة، وقد تقدم أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فادى بالرجل الذى أظهر الإسلام ولم يقبله منه برجلين من أصحابه. وقد قدمنا الكلام على هذا الحديث، فإن كان يمنع المفاداة بالمرأة فهذا الحديث حجة عليه. قال بعض الناس: فيه التفرقة بين الأم وولدها، خلافاً لمن قال: لا يفرق بينهما أبداً؛ لأنه لم يذكر أنه لما نفلها إياه جمع بينها وبين أمها.

قال القاضى: وممن قال بقول مالك فى جواز المن والفداء: الشافعى وأحمد وأبو ثور وكافة العلماء، وأجازوا هذا بالمال وبالأسرى. وقال أبو حنيفة: فمرة لا يفادى ولا يمن جملة، وقال مرة: لا بأس بفدائهم بالمسلمين، وهو قول محمد وأبى يوسف (١).

قال القاضى: ويحتج بهذا الحديث من يرى النفل قبل الخمس. وليس فيه حجة، إذ قد يمكن أنه علم قيمتها حتى يخمس أو كان بعد التخميس. وفيه استيهاب الأمام أهل جيشه بعض ما غنموا ليفادى به أو يصرفه فى مصالح المسلمين، كما فعل فى هوازن وكذلك لما نفله، وأنه ليس من باب الرجوع فى الهبة؛ إذ لم يهبه ماله ولا استرجعه أيضاً لنفسه.


(١) انظر: المغنى ١٣/ ٤٤ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>