للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٢٧ - (٧٣) وحدّثنى عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْعَظِيمِ الْعَنْبَرِىُّ، حَدَّثَنَا النَّضْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ. حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ - وَهُوَ ابْنُ عَمَّارٍ - حَدَّثَنَا أَبُو زُمَيْل، قالَ: حَدَّثَنِى ابْنُ عَبَّاس قَالَ: مُطِرَ

ــ

قال القاضى من طريق ابن عباس فى الأم فى هذا الحديث: " أصبح من الناس شاكر وكافر ": فمقابلته لشاكر بكافر يدل أن المراد كفر النعمة وجحدها إذا لم يضفها إلى ربه ويشكره عليها ولا ولى الأمر أهله، واقتصر على ذكر عادةٍ غير مؤثرة، ومخلوقات مسخرة وآلات مُدبرة، وكذلك يدل عليه قوله - أيضاً - فى الحَدِيث الآخر: " ما أنزل الله من السماء من بركة " وفى اللفظ الآخر: " ما أنعمت على عبادى (١) من نعمة إلا أصبح فريق منهم كافرين "، فدل أنه كفر نعمة لا كفر بالله. وإنما يجوز من هذا أن يذكر بمعنى الوقت أو الآلة، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " تلك عين غديقة "، وكما قال عمر: كم بقيا لنوء الثريا. فأما القول: مطرنا بنوء كذا وإن لم يعتقد قائله تأثير النجوم وفعلها، ففيه مشابهة لقول من يعتقد ذلك، والشرع قد حمى (٢) التشبيه بالكفار، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا} (٣). إذ كانت كلمة اليهود والمنافقين معرضين بها.

وورد فى آخر الحديث المتقدم أن فى هذا نزلت: {فَلا أُقْسِمُ بمَوَاقِعِ النُّجُوم} إلى قوله: {وتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُون} (٤).

وقد اختلف المفسرون فى معنى هذه الآية، ومعنى النجوم فيها، ومعنى الرزق، فذهب الحسن ومجاهد وقتادة: أن النجوم فيها نجوم السماء ومواقعها إما مغاربها وإما مطالعها أو انكدارها أو انتثارها يوم القيامة، على اختلاف تأويلاتهم فى ذلك. وقيل:


= ومعنى: " إذا أنشأت بحرَّية ": أى إذا ظهرت سحابة من ناحية البحر، ومعنى: " تشاءمت ": أى أخذت نحو الشام، و " غديقة " هى مصغر غدقة، قال تعالى: {وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا} [الجن: ١٥] أى كثيراً - وقال مالك: " معناه: إذا ضربت ريحُ بحريَّةُ فأنشأت سحاباً ثم ضربت ريح من ناحية الشمال، فتلك علامة المطر الغزير. والعين مطر أيام لا يُقلع ". الموطأ، ك الاستسقاء، ب الاستمطار بالنجوم ١/ ١٩٢.
(١) فى ت: عبدى.
(٢) كتب أمامها بهامش ت: " حرم " كالتفسير لها. وحمى أوسع دلالة على المراد من حرم، فهى هنا بمعنى المنع، أعم من أن يكون حراماً أو مكروهاً.
(٣) البقرة: ١٠٤. وذلك أن اليهود - عليهم اللعائن - كانوا يُعانون من الكلام ما فيه تورية لما يقصدونه من التنقص، فإذا أرادوا أن يقولوا: اسمع لنا يقولون: راعنا، يورون بالرعونة، كما قال تعالى: {مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ} [النساء: ٤٦] تفسير القرآن العظيم ١/ ٢١٣.
(٤) الواقعة: ٧٥ - ٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>