للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّضِيرِ. فَوَاللهِ، مَا اسْتَأثَرَ عَلَيْكُمْ، وَلا أَخَذَهَا دُونَكُمْ، حَتَّى بقِىَ هَذَا المَالُ، فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأخُذُ مِنْهُ نَفَقَةَ سَنَةٍ، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِىَ أُسْوَةَ المَالِ. ثُمَّ قَالَ: أَنْشُدُكُمْ بِاللهِ، الَّذِى بِإِذَنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ، أَتَعْلَمُونَ ذَلِكَ؟ قَالُوا: نَعَمْ. ثُمَّ نَشَدَ عَبَّاسًا وَعَلِيًا بِمِثْلَ مَا نَشَدَ بِهِ القَوْمَ: أَتَعْلَمَان ذَلِكَ؟ قَالا: نَعَمْ. قَالَ: فَلَمَّا تُوُفِّىَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَنَا وَلِىُّ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَجِئْتُمَا، تَطْلُبُ مِيرَاثَكَ مِنَ ابْنِ أَخِيكَ، وَيَطْلُبُ هَذَا مِيرَاثَ امْرَأَتِهِ مِنْ أَبِيهَا. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ "، فَرَأَيْتُمَاهُ كَاذِبًا آثِمًا غَادِرًا خَائِنًا، وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّهُ لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ لِلْحَقِّ. ثُمَّ تُوُفِّىَ أَبُو

ــ

خائناً " وكذلك أيضاً ذكر عن نفسه أنهما رأياه كذلك وتأويل هذا أيضاً نحو مما تقدم ذكره المراد به: أنكما تعتقدان أن الواجب يفعل فى هذه القضية خلاف ما فعلته أنا وأبو بكر، فنحن على موجب مذهبهما (١) لو أتينا ما أتينا، ونحن معتقدان أن ما تعتقد أنه على هذه الأوصاف. أو يكون المراد: أن الإمام إنما يخالف إذا كان على هذه الأوصاف ويتهم فى قضاياه، فكان مخالفتكما لنا تشعر من رآها أنكما تعتقدان ذلك. هذا أمثل ما تأول عنهم - رضى (٢) الله عنهم.

وأما الاعتذار عن على وعباس - رضى الله عنهما - فى أنهما ترددا إلى الخليفتين مع قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا نورث، ما تركناه صدقة " هو تقدير عمر عليهما لأنهما يعلمان ذلك، فأمثل ما فيه مما قاله بعض الأئمة: إنهما إنما طلبا أن يقسماها بينهما بنصفين ينتفعان بها، على حسب ما ينفعهما الإمام بها لواليها بنفسه. فكره عمر - رضى الله عنه - أن يوقع اسم القسمة عليها، لئلا يظن بذلك مع تطاول الأزمنة أنها ميراث، وأنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورث، لاسيما وقسمة الميراث بين البنت والعم نصفان، فيكون مطابقة للشرع بما يقع أتفاقاً واجتهاداً من آكد ما يلبس ويوهم فى ذلك؛ أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ورث ما ترك، وإن كان منهما ومن فاطمة - رضى الله عنهم - قبل ذلك ما يوهم أنهم طلبوا التمليك. فلعلهم قبل سماعهم الخبر: " لا نورث ".

ومما يدل على ما قلناه: ما قاله أبو داود: أنه لم يختلف على - رضى الله عنه - أنه لما صارت الخلافة إليه لم يغيرها عن كونها صدقة، وبنحو هذا احتج السفاح. قال ابن الأعرابى: فإنه لما خطب أول خطبة قام بها، قام إليه رجل معلق فى عنقه المصحف، فقال له: أناشدك الله إلا ما حكمت بينى وبين خصمى بهذا المصحف. وقال: من هو؟ قال:


(١) فى ع: مذهبكما.
(٢) فى الأصل: رضوا، والمثبت من ع.

<<  <  ج: ص:  >  >>