للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وفيه: " فقالت امرأةٌ منهنَّ جَزْلةٌ ": أى ذات عقل ودين. قال ابن دريد: الجزالة: الوقار والعقل، وفى العين: امرأة جزيلة، أى ذات عجيزة عظيمة، وأصله العظيم من كل شىء، ومنه عطاء جزل (١).

وقوله: " يكثرن اللعن ويكفرن العشير ": اللعن فى اللغة: الطرد والإبعاد، ومعناه فى الشرع: الإبعاد من رحمة الله. والعشير هنا: الزوج، يسمى بذلك الذكر والأنثى؛ لأن كل واحد منهما يعاشر صاحبه، والعشير - أيضاً - الخليط والصاحب.

وقد قال الباجى: يحتمل أن يريد به الزوج خاصة، ويحتمل أن يريد به كل من يعاشرهن.

ودليل الحديث خلاف ما قاله من شرحه بمعنى الزوج بعد هذا دون غيره، واستحقاقهن النار بكفران إحسان العشير وجحد حقه، يدلُّ أنه الزوج لعظيم حقه عليهن (٢).

وإدخال مسلم هذا الحديث فى كتاب الإيمان لفائدتين: إحداها: بيان أن الكفر قد ينطلق على كفر النعمة وجحد الحق وتغطيته وهو أصل الكفر فى اللغة، لكفران العشير المذكور فى الحديث، وكفر الإحسان المذكور فى الحديث فى غير الأم، إذ لا إشكال أنه لم يرد به هنا الكفر بالله، وفسَّر به كل ما أطلق عليه اسم الكفر على أهل المعاصى فيما تقدم من الأحاديث.

قال أحمد بن منصور (٣): يكفرن العشير ويكفرن الزوج كلام واحد، أى يكفرن إحسان الزوج. قال: وكفر النعمة من أكبر المعاصى، ولو كان خروجاً من الإيمان لم يمكن الزوج من التمسّك بها وموارثتها.

قال القاضى: والثانية: إظهار نقص الإيمان وزيادته بقوله: " ناقصات عقل ودين ".

وقوله: " لذى لُبّ ": أى لذى عقل (٤)، ومنه تكرار قول النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قول الأعشى


= والمعشر هم الجماعة الذين أمرهم واحد، أى مشتركون، وهو اسم يتناولهم، كالإنس معشر، والجن معشر، والأنبياء معشر، والنساء معشر، ونحو ذلك، وجمعه معاشر. نووى ١/ ٢٦٣.
(١) ومن جزالتها أنها لم تسأل إلا عن السبب لتحترز منه. إكمال الإكمال ١/ ١٨٥.
(٢) وعلى ذلك فإن كفران العشير كبيرة؛ للعقوبة عليه بالنار، قال النووى. " التوعد بالنار من علامة كون المعصية كبيرة، وأما اللعن فمن المعاصى الصغائر، لقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " وتكثرن اللعن " والصغيرة إذا كثرت صارت كبيرة ". نووى ١/ ٢٦٤، إكمال الإكمال ١/ ١٨٥.
(٣) زيد بعدها شى الأصل: نصر قوله.
(٤) التعجب هنا من كثرة غلبهن لا من غلبتهن للرجال على الصحيح؛ لأنه لا يجوز التعجب من فعل المفعول، وهم الرجال هنا. راجع: إكمال ١/ ١٨٦، واللُّبُّ هو: العقلُ الخالص.

<<  <  ج: ص:  >  >>