للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(٢) باب الاستخلاف وتركه]

١١ - (١٨٢٣) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ العَلاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: حَضَرْتُ أَبِى حِينَ أُصِيبَ، فَأَثْنَوْا عَليْهِ. وَقَالوا: جَزَاكَ اللهُ خَيْرًا. فَقَالَ: رَاغِبٌ وَرَاهِبٌ. قَالوا: اسْتَخْلِفْ. فَقَالَ: أَتَحَمَّلُ أَمْرَكُمْ حَيًّا وَمَيِّتًا؟ لوَدَدْتُ أَنَّ حَظِّى مِنْهَا الكَفَافُ، لا عَلىَّ وَلا لِى، فَإِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّى - يَعْنِى أَبَا بَكْرٍ - وَإِنْ أَتْرُكْكُمْ فَقَدْ تَرَكَكُمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّى، رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ عَبْدُ اللهِ: فَعَرَفْتُ أَنَّهُ - حِينَ ذَكَرَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرُ مُسْتَخْلِفٍ.

ــ

وقول عمر حين أثنى عليه: " راغب وراهب ": أى راج وخائف. يقال: رغب فى الأمر: إذا طلبه، ورغب عنه: إذا كرهه، هو من الأضداد، ورهبه: إذا خاف منه، وهذا أولى عندى بمعنى الحديث من قول من جعله فى باب الاستخلاف، وأن له معنيين؛ أى أن الناس يخها على صنفين: راغب يخها فلا يجب تقديمه، وكاره لها يخشى عجزه، وقيل: راغب فى حسن رأيى وتقديمى، وكاره لذلك راهب بإظهار ما بنفسه منه، والأول أشبه بمجيئه به بعد أن أثنوا عليه، وذكر الاستخلاف إنما كان بعد هذا الكلام.

وقوله - لما قيل له: استخلف -: " إن أستخلف فقد استخلف من هو خير منى - يريد أبا بكر - وإن أترككم فقد ترككم من هو خير منى - يعنى رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ": فيه أن الاستخلاف غير لازم؛ إذ لم يفعله النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وفيه جواز انعقاد الخلافة بالوجهين بالتقديم والعقد من المتولى كفعل أبى بكر لعمر، أو بعقد أهل الحل والعقد والاختيار كفعل الصحابة بعد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهذا مما أجمع المسلمون عليه.

وفيه أنه لابد من إقامة خليفة، وهذا - أيضاً - مما أجمع المسلمون عليه بعد النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وفى سائر الأعصار، خلافاً للأمم، حتى ذهب بعض الناس إلى أن ذلك واجب عقلاً؛ إذ صلاح الناس فى رجوع أمرهم إلى واحد يقيم أمورهم، وأن فى تركهم فوضى مختلفى الآراء فساد دينهم ودنياهم؛ لاختلاف الآراء وتضاد المقاصد، وهذا خطأ إذ لا يوجب العقل شيئاً ولا يحسنه ولا يقبحه إلا بحكم العادة لا بالأمر القطعى. ولا حجة للأمم فى بقاء الصحابة دون خليفة مدة التشاور فى يوم السقيفة (١) وأيام الشورى بعد موت عمر؛ إذ


(١) انظر: مصنف عبد الرزاق ٥/ ٤٣٩ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>