للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ثالثة.

وإلى هذا الجمع نحا أبو جعفر الطحاوى (١). وقيل - أيضاً -: قد يكون القتل ثم الزنا مقدمين على العقوق واليمين الغموس، لكن الراوى لم يحفظهما فذكر ما حفظ. وإليه مال بعض من لقيناه من الجلة.

وليس هذا عندى بالسَّديد؛ لأن تحميل الراوى ما لم يرو أو إلزامه الغلط فيما رواه صعبٌ، وباب إن فُتِح دخل منه على الشريعة خطْبٌ. وقد يكون التنبيه بالزنا على اللواط وشبهه، وإن كان بعضه أشد من بعض وأعظم، ولكن درجته واحدة فى باب تشابه جنس المعصية، وإن كانت آثامُ أنواعها مختلفةً، والعقوبات عليها متفاوتة، كما نبَّه بقتل الابن مخافة أن يأكل معه على قتل غيره وعلى جميع أنواع القتل، وإن كان قتل الولد أشد، وبالزنا بالجارة على غيرها من الأجانب، وعن شبَهه من فعل الرجال بالرجال والنساء بالنساء وإن كان بعضها أشد من بعض.

ويعضد هذه الإشارة قوله فى الأم آخر الحديث: " فأنزل الله تصديقها: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ [النَّفْس] (٢) الَّتِي حَرَّمَ اللَّهِ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُون ....} الآية (٣) ". فقد عمَّ ما خصَّ (٤).

وتأكد أمرُ الجارة لحرمتها وحرمة زوجها أو وليها، ولما ورد فى حديث المقداد: " لأن يزنى الرجلُ بعشر نسوة أيْسر عليه من أن يزنى بامرأة جاره " (٥).

وقوله: " الموبقات ": أى المهلكات، يقال: وبَق الرجلُ - بالفتح - يبق ووبق بضم الواو يوبق إذا هلك، قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم مَّوْبِقًا} (٦): أى من العذاب، وقيل: موعداً، وقيل: محبساً.

وعدّه فى الكبائر التولى يوم الزحف حجة لمذهب الجماعة فى ذلك خلاف ما ذهب إليه الحسن: أن ذلك ليس من الكبائر، وأن الآية الواردة فى ذلك فى أهل بدر خاصة (٧)،


(١) مشكل الآثار ١/ ٣٧٩.
(٢) ساقطة من الأصل.
(٣) الفرقان: ٦٨. ومن هذا الطريق أخرجه أحمد فى المسند ١/ ٣٨٠.
(٤) قال الحافظ ابن كثير: " ولا تعارض بين هذه وبين آية النساء: {وَمَن يَقتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ الَّلهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} ٩٣، قال: فإن هذه وإن كانت مدنية إلا أنها مطلقة، فتحمل على من لم يتب لأن هذه - الفرقان - مقيدة بالتوبة " ٦/ ١٣٦.
(٥) سبق قريباً.
(٦) الكهف: ٥٢، وإلى أن المراد المهلك، ذهب ابن عباس وقتادة، ونقل عن قتادة أنه واد عميق، فرق به يوم القيامة بين أهل الهدى وأهل الضلالة، وقال الحسن البصرى: إنه العداوة. تفسير الطبرى ٥/ ١٧٢، تفسير القرآن العظيم ٥/ ١٦٦.
(٧) قلتُ: يروى هذا عن عمر، وابن عمر، وابن عباس، وأبى هريرة، وأبى سعيد، وأبى نَضْرةَ، وشافع مولى ابن عمر، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وقتادة، والضحاك. وحجتهم فى ذلك أن الفرار =

<<  <  ج: ص:  >  >>