للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المِعْرَاضِ؟ فَقَالَ: " إِذَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْ، وَإِذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَقَتَلَ، فَإِنَّهُ وَقِيذٌ، فَلا تَأكُلْ ". وَسَأَلتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الكَلْبِ؟ فَقَالَ: " إِذَا أَرْسَلَتَ كَلبَكَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللهِ فَكُلْ، فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ فَلا تَأكُلْ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلى نفْسِهِ ". قُلْتُ: فَإِنْ وَجَدْتُ مَعَ كَلبِى كَلبًا آخَرَ، فَلا أَدْرِى أَيُّهُمَا أَخَذَهُ؟ قَالَ: " فَلا تَأكُلْ، فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلى كَلبِكَ، وَلمْ تُسَمِّ عَلى غَيْرِهِ ".

(...) وَحَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُليَّةَ، قَالَ: وَأَخْبَرنِى شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِى السَّفَرِ، قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِىَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَدِىَّ بْنَ حَاتِمٍ يَقُولُ: سَأَلتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ المِعْرَاضِ. فَذَكَرَ مِثْلهُ.

ــ

وأما قوله: " كان أكل فلا تأكل ": فمذهب مالك: أنه يأكل وإن أكل. ومذهب الشافعى فى أحد قوليه: أنه لا يأكل، وهو مذهب أبى حنيفة (١) - رضى الله تعالى عنه. وهذا الحديث الذى ذكره مسلم من آكد ما يحتجون به، ويتعلقون - أيضاً - بظاهر قوله تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} (٢)، ولو أراد كل إمساك لقال: " فكلوا مما أمسكن "، فزاده: " عليكم " إشارة لما قالوه، لما كان الإمساك يتنوع عندهم خصص الجائز منه بهذه الزيادة، قالوا: ولو كان القرآن محتملاً لكان هذا الحديث بياناً له؛ لأنه أخبر أنه إنما أمسك على نفسه. وأما أصحابنا فلا يسلمون كون الآية ظاهراً فيما قالوه، ويرون أن الباقى بعد أكله ممسك علينا. وفائدة قوله: " عليكم " الإشعار بأن ما أمسكه من غير إرسال لا يأكله.

وأما الحديث الذى أخرجه مسلم فيقابلونه بحديث أبى ثعلبة، وقد ذكره أبو داود وغيره (٣). ومنه إباحة الأكل مما أمسك وإن أكل، ويحمل حديث مسلم فى النهى عن التنزيه. والاستحباب، وحديث أبى ثعلبة على الإباحة حتى لا تتعارض الأحاديث.

قال القاضى: واختلف قول الشافعى فى سباع الطير إذا أكلت، هل هى كالكلب عنده لا يؤكل صيدها أم لا؟ وكافة الفقهاء: أنها بخلاف الكلب، لم يختلفوا فى أكل صيدها وإن أكلت، وقد جاء ذكر صيد البازى فى بعض طرق حديث عدى.

قال الإمام: وأما قوله: " وذكرت اسم الله فكل " فإن التسمية عند التزكية اختلف الناس فيها، فمن الناس من ذهب إلى أن الحيوان المذكى إن تركت التسمية عند تذكيته سهواً أو عمداً لم يؤكل، وهذا مذهب أهل الظاهر. ومنهم من لا يحرم أكله وإن تركها عمداً،


(١) انظر: الاستذكار ١٥/ ٢٨٢ وما بعدها.
(٢) المائدة: ٤.
(٣) أبو داود، ك الصيد، ب فى الصيد ٢/ ٩٧ رقم (٢٨٥٢)، وسبق تخريجه قريباً عند الترمذى، رقم (١٤٦٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>