للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وقوله: " إنهم أكلوا من ذلك وهم ألف، وانحرفوا " أى انصرفوا " والبرمة تغط " أى تغلى وتسمع غليانها. والغطغطة، والغطيط: الصوت من ذلك وما يشبهه، وكذلك صوت النائم.

وفيه آيتان بينتان من علامات نبوته - عليه السلام -:

إحداهما: فعلية فى تكثير القليل من الطعام وبركة بصاقه وإجابة دعوته.

والثانية: قولية بدعوة النبى العدد الكثير لما قد علم قلته، وأنه على ذلك بارك فيه ويكفيهم بوحى الله، ويقين منه بذلك، ومثله فى حديث أبى طلحة، وقوله: " فإن الله سيجعل فيه بركة ".

ودعاء النبى الناس لطعام غيره تقدم الكلام عليه أيضاً فى حديث الغلام اللحام، وغيره معنى مما نبهنا عليه قبل مما هو فى حديث جابر أيضاً، وفيه أنه لا يجب لإنسان أن يدعو لطعامه أكثر من قدره فيفضح نفسه، ويخجل الحاضرين، إلا عند الضرائر والشدائد والمواساة. وفيه فضل الثريد، وكون البركة معه، ومعونة المرأة زوجها فى أضيافه وخدمتها فى بيتها وطعامها.

وذكر حديث أبى طلحة وقوله: " لقد سمعت رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضعيفاً أعرف فيه الجوع ": فيه من معنى ما تقدم من ابتلاء الفضلاء وصبرهم على ذلك وكتمانه، وغير ذلك مما تقدم فى حديث جابر من المعانى والفقه الذى طابقت هذا الحديث، مما نبهنا عليه من المعجزتين.

قال بعضهم: وفيه الحجة فى جواز الشهادة على الصوت لقوله: " أعرف فيه الجوع " وإنكاره منه ما عرف، قيل: وفى هذا ضعف جداً، أى إنما هو حكم على ما دل عليه الصوت من ضعفه، فأما سماع الصوت [فمع المشاهدة كان، وإنما الشهادة على الصوت] (١) المتكلم فيها قمع غيبة العين.

وقد نازع فيه الخالف، وقال: إنه دليل على منع الشهادة على الصوت؛ إذ إنما علم تغير صوته بالمشاهدة، فلا يبعد أن يعترى بعض الناس تغير فى أصواتهم، فكيف تصح الشهادة على الصوت؟ وهذا أضعف؛ لأنه إنما شهد على ما حققه ولم يتغير عنده وأما ما تغير فلا يشهد به.

وفى حديث أبى طلحة - مما لم يتقدم فى الأحاديث الأخر -: الخروج لتلقى الضيفان إلى الطريق، وتحسين الهدية، وإكرام المهدى لها؛ للف أم سليم تلك الأقراص فى خمارها.

وفيه أن الخبز كان عندهم - من شعير أو غيره - أفضل الطعام، فقد كان أبو طلحة من أكثر أنصاره بالمدينة مالاً ونخلاً، فإنما عدل عن التمر للخبز لفضله. ويحتمل أن يكون


(١) سقط من الأصل، والمثبت من ح.

<<  <  ج: ص:  >  >>