للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال الطبرى وغيره: وخصَّ الإزارَ لأنه كان عامة اللباس، وحكمُ غيره من القُمص وغيرها حكمه.

قال القاضى: وأما على ما جاء فى الحديث الآخر: " ثوبه " فهو عام، وقد ورد مُفَسَّرًا فى كتاب أبى داود فى حديث: " فذكر فيه الإزار والقميص والعمامة " (١).

وقوله: " والمنَّان " وفسَّره فى الحديث: " أنه الذى لا يُعطى شيئًا إلا منّة "، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَذَى} (٢).

وقد ورد فى حديث آخر: " البخيلُ المنانُ " (٣)، فقد جمع البخل المذموم لاسيما إن كان بالواجبات ثم المنَّ بالقليل الذى يُسمَحُ به، وأذى من وصَلَه به، واستكثاره، واستطالته عليه، وفى نفس المنّ البخل لأنه لا يمنّ إلا بما عَظُمَ فى نفسه إخراجه عن يده، وشحّهُ عليه عِظَمُه عنده، والجوادُ لا يعظمُ عنده شىء مما يمنحه ولا يذكره ولا يَمُنُّ به، وقيل: إن المنَّ هنا بمعنى القطع والنقص، فيوافق معنى البخيل الذى لا يعطى الحقوق من ماله وينقصها ويقطع رحمه - وهو أحد التأويلين فى قول الله عز وجل: {فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} (٤): أى غير منقوص ولا مقطوع. والأظهر الأول لقوله: " لا يعطى شيئًا إلا


= فى المسند ٢/ ١٤٧، والمجمع ٥/ ١٢٣.
وقد أخرجه البخارى والطبرانى من حديثه بلفظ: " لستَ ممن يضعه خُيلاء " البخارى فى صحيحه، ك اللباس، ب من جَرَّ ثوبه من غير خيلاء ٧/ ١٨٢، والطبرانى فى المعجم الكبير ١٢/ ٣٠٠، وكذا أخرجه أبو داود فى السنن ك اللباس، ب ما جاء فى إسبال الإزار ٢/ ٣٧٨، وزاد فيه: " إن أحد جانِبى إزارى يسترخى، إنى لأتعاهَدُ ذلك منه ".
(١) وذلك من حديث سالم بن عبد الله عن أبيه عن النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " الإسبال فى الإزار، والقميص، والعِمامة، من جَرَّ منها شيئًا خُيلاء لم يُنظرِ الله إليه يوم القيامة " ١/ ٣٨١.
(٢) البقرة: ٢٦٤.
(٣) أخرجه أحمد فى المسند فى حديث طويل عن أبى ذر بلفظ: " ثلاثةٌ يشنؤهم الله: التاجر الحلاف - أو قال: البائع الحلاف - والبخيل المنان، والفقير المختال " ٥/ ١٥١.
وقد أخرجه الترمذى عن أبى بكر الصديق بلفظ: " لا يدخُلُ الجنَّة خِبٌّ، ولا منانٌ، ولا بخيل " ك البر والصلة، ب ما جاء فى البخيل ٤/ ٣٤٣، وقال فيه الترمذى: هذا حديث حسن غريب. والمنَّانُ: صيغة مبالغة من المن؛ ولذا فسَّره فى حديث الأعمش أنه لا يعطى شيئًا إلا منّة. وعلى ذلك فلا يتناول الوعيدُ المذكور إلا من كثُر منه ذلك، بخلاف إبطاله الصدقة، والمن: تقرير النعمة على من أسديت إليه.
ورواية أحمد التى استدل بها القاضى ليس فيها تخصيصٌ لروايات الباب هنا حتى يقال: لا يتناول الوعيد إلا من أضاف إلى كثرة المن البخل، وذلك لأن المنَّ يستلزم البخل؛ لأنه لا يمنّ إلا بما عظم فى نفسه وشحَّ بإخراجه، والجواد لا يستعظم فلا يَمنَّ كما ذكر القاضى.
(٤) التين: ٦. وفيه قال ابن عباس: غير منقوض. وقال مجاهد والضحاك: غير محسوب. قال الحافظ: ابن كثير: وحاصل قولهما: أنه غير مقطوع، كما قال تعالى: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود: ١٠٨] =

<<  <  ج: ص:  >  >>