للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِبَيِّنَةٍ، وَإِلا فَعَلْتُ وَفَعَلْتُ. فَذَهَبَ أَبُو مُوسَى.

قَالَ عُمَرُ: إِنْ وَجَدَ بَيِّنَةً تَجِدُوهُ عِنْد الْمِنْبَرِ عَشِيَّةً، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ بَيِّنَةً فَلَمْ تَجِدُوهُ. فَلَمَّا أَنْ جَاءَ بِالْعَشِىِّ وَجَدُوهُ. قَالَ: يَا أَبَا مُوسَى، مَا تَقُولُ؟ أَقَدْ وَجَدْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أُبَىَّ ابْنَ كَعْبٍ. قَالَ عَدْلٌ. قَالَ: يَا أَبَا الطُّفَيْلِ، مَا يَقُولُ هَذَا؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ يا ابْنَ الْخَطَّابِ؛ فَلا تَكُونَنَّ عَذَابًا عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ؛ إِنَّمَا سَمِعْتُ شَيْئًا، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَثَبَّتَ.

ــ

وعمر قد تهدده هاهنا.

قال بعض الناس: إنما هذا حرص على التقليل من الخبر عن النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولئلا يكون إكثار الثقات سبباً لتقول الكذب على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما لم يقل، وقد روى عن عمر - رضى الله عنه - أنه قال: " أقلوا الخبر عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنا شريككم " (١). قيل: معناه: شريككم فى التقليل، ومما يؤيد أنه لم يذهب المذهب الذى ذهبوا إليه: أنه قال له فى بعض طرق مسلم: " يا أبا موسى، أوجدت؟ قال: نعم، أبى بن كعب، قال: عدل، قال: يا أبا الطفيل، ما يقول هذا؟ قال: سمعت النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول ذلك يا ابن الخطاب، فلا تكونن عذاباً على أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: سبحان الله، إنما سمعت شيئاً فأحببت أن أتثبت ". وقيل: إنما ذلك، لأنه صار كالدافع عن نفسه المعتذر عن فعله، فطلب شهادة غيره.

وقوله: " ألهانى عنه الصفق بالأسواق ": قال الأزهرى: الصفاق: الكثير الأسفار والتصرف فى التجارة، وقال غيره: لأنهم (٢) كانوا يصفقون أيديهم عند المبايعة، وسميت المبايعة بذلك فيكون المراد: ألهانى التجر فى الأسواق.

قال القاضى: اختصاصه بالثلاث لئلا يخفى صوته، واستئذانه فى المرة الأولى، فكرر ثانية للبيان، ثم ثالثة لذلك، وليكون وتراً. وكذلك كان - عليه السلام - يكرر كثيراً مما يأمر به، ويؤكده ثلاثاً لهذين المعنيين - والله أعلم.

فيه القيام بالحق بين أيدى الخلفاء لقول أبى لعمر ما قال. وفيه حماية الأئمة للشرع والتبيين أن يزاد فيها أو يتقول على النبى - عليه السلام - شىء. وفيه التغليظ بالقول.

ويحتمل قوله: " لأجعلنك عظة، أو لأوجعن ظهرك وبطنك " أن يكون إذا تبين له أنه قال على النبى ما لم يقل وافترى عليه، لاسيما من قول أبى موسى: " هكذا كنا نؤمر "،


(١) ابن ماجه، المقدمة، ب التوقى ١/ ١٢.
(٢) فى ح: لعلهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>