للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

٤ - (...) حدّثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلاد الْبَاهِلِىُّ وَأَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَكَمِ، قَالا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِى سَلَمَةَ قَالَ: إنْ كُنْتُ لأَرَى الرُّؤْيَا تُمْرِضُنِى قَالَ: فَلَقِيتُ أَبَا قَتَادَةَ. فَقَالَ: وَأَنَا كُنْتُ لأَرَى الرُّؤْيَا فَتُمْرِضُنِى، حَتَّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الرُّؤْيَا الصَّالِحَةُ مِنَ اللهِ، فَإِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مَا يُحِبُّ فَلا يُحَدِّثُ بِهَا إِلا مِنْ يُحِبُّ، وَإِنْ رَأَى مَا يَكْرَهُ فَلْيَتْفِلُ عَنْ يَسَارِهِ ثَلاثًا وَلْيَتَعَوَّذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ وَشَرِّهَا، وَلا يُحَدِّثْ بِهَا أَحَدًا فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ ".

ــ

وأما قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا تخبر بها إلا من تحب ": فيحتمل عندى أن يكون حذرًا من أن يغيرها له من يبغضه على الصفة المكروهة فيحزنه ذلك، أو يتفق وقوعها على ما عبر. ويكون وصفها بأنها حسنة بمعنى حسنها فى الظاهر. وأهل العبارة يقولون فى تقاسيمهم: فى المنامات ما هو حسن فى الظاهر مكروه فى الباطن، ومنها عكسه، إلى بقية الأقسام التى يعدونها.

وأما قول أبى سلمة: " إنى لأرى الرؤية أعرى منها ولا أزمل ": فلم أقف على تفسيره عند أهل الغريب، غير أن صاحب الأفعال (١) قال: عرى الرجل عرية وعروة: صار عرياناً. والليلة اشتد بردها فهى عرَية، وعروتك عرواً: نزلت بك، والأمر نزل به، والحمى لذعته وهى عرواء، فيحتمل أن يكون أراد: أرعدته الحمى، أو اشتد برده فزعاً مما أرى (٢) إن لم يكن من التعرى. وأما " أزمل " فالمعروف أن الزمل التدثر.

قال القاضى: وقيل فى معناه: " الرؤيا الصالحة من الله "، وهو معنى الرواية الأخرى التى ليس فيها لفظ " الصالحة " إضافة اختصاص وإكرام؛ لسلامتها من الأضغاث، وهو التخليط وجمع الأشياء المتضادة، كضغث الحشيش وشبهه، وطهارتها عن حضور الشيطان وإفساده لها، وهذا مثل قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَان} (٣)، والكل من عنده. كما أن الرؤيا كلها مما حضره الشيطان أو لم يحضره من خلق الله وقدرته، فخص ما طهر من الشيطان وسلم من تخليطه بالإضافة إلى الله؛ تكريمًا وتشريفًا وتخصيصًا.

وإضافة الأخرى إلى الشيطان عند بعضهم لأنها مكروهة مخلوقه على طبعه، من التحزين والكراهة التى خلق فيها (٤). قد تقدم غير هذا التأويل فيها، وقيل: لأنها توافق الشيطان ثم تسير ويستحسنها لما فيها قد يشغل بال المسلم وأستضراره منها.

قال بعضهم (٥): وإن كان التحزين غالبًا من الشيطان فقد يكون - أيضاً - نادراً فى


(١) لابن القوطية ص ٢٤.
(٢) فى ح: رأى.
(٣) الحجر: ٤٢.
(٤) تفصيل هذا الكلام فى الفتح ١٢/ ٣١١، شرح البخارى لابن بطال ٣/ ٢١٥.
(٥) منهم: المهلب، وقد نقل قوله ابن بطال فى شرح البخارى ٤/ ٢١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>