للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَشُنُّوا عَلَىَّ التُّرَابَ شَنًّا، ثُمَّ أقِيمُوا حَوْلَ قَبْرِى قَدْرَ مَا تُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهَا، حَتَّى أسْتَأنِسَ بِكُمْ، وَأنْظُرَ مَاذَا أرَاجِعُ بِهِ رُسُلَ رَبِّى.

١٩٣ - (١٢٢) حدّثنى مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ مَيْمُونٍ، وَإبْرَاهِيمُ بْنُ دِينَارٍ - واللَّفْظُ لإبْرَاهِيمَ - قَالا: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ - وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ - عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِى يَعْلَى ابْنُ مُسْلِمٍ؛ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ جُبَيرٍ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ قَتَلُوا فَأكْثَرُوا، وَزَنَوْا فَأكْثَرُوا، ثُمَّ أَتَوْا مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقالُوا: إِنَّ الَّذِى تَقُولُ وَتَدْعُو لَحَسَنٌ، وَلَوْ تُخْبِرُنَا أَنَّ لِمَا عَمِلْنَا كَفَّارَةً! فَنَزَلَ: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} (١) وَنَزَلَ: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّه} (٢).

ــ

وقوله: " ثم أقيموا على قبرى قدر ما تُنحَرُ جزور ": الجزور: بفتح الجيم من الإبل والجَزرَة من غيرها، وفى كتاب العين: الجزرة من الضأن والمعز خاصة.

وفى هذا الحديث حجة لفتنة القبر، وأن الميت تصرُف روحه إليه إذا أدخل قبره لسؤال الملكين وفتنتهما، أنه يعلم حينئذ ويسمع (٣). ولا يعترض على هذا بقوله [تعالى]: (٤) {إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} (٥): الآية، للاختلاف فى معناها واحتمال تأويلها (٦)؛ ولأنه قد يكن المراد بها فى وقت غير هذا لما ورَدت به الآثار الصحاح (٧) من فتنة القبر وسؤال الملكين. ولا ينافى هذا السماع. وسيأتى الكلامُ عليه بعد هذا.

وفى حديث عمرو معرفة حال الصحابة فى توقير النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وتعظيمه، كما أمر الله به المؤمنين فقال: {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوه} (٨)

وفى قول ابنه له: " يا أبتاه، أما بشَّرك رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ... " سُنَّة فى ترجى المحتضَر وأن يذكر له عند احتضاره خيرُ عمله، وتذكر له سَعَةُ رحمة الله، وتتلى عليه


(١) الفرقان: ٦٨.
(٢) الزمر: ٥٣.
(٣) كان حجةً لأنه لا يقوله إلا بتوقيف.
(٤) من ت.
(٥) النمل: ٨١.
(٦) فقد قيل فيها: إنَّك لا تسمعهم شيئًا ينفعهم، فكذلك هؤلاء على قلوبهم غشاوة، وفى آذانهم وقْرَ الكفر. تفسير القرآن العظيم ٦/ ٢١٩.
(٧) فى ق: الصحيحة.
(٨) الفتح: ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>