للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١١ - (...) وحدّثنى أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ، قَالا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْب، أَخْبَرَنِى يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَاب، حَدَّثَنِى أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ؛ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ رَآنِى فِى الْمَنَامِ فَسَيَرانِى فِى الْيَقَظَةِ - أَوْ لَكَأَنمَا رَآنِى فِى الْيَقَظَةِ - لا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِى ".

(٢٢٦٧) وَقَالَ فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ: قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ رَآنِى فَقَدْ رَأَى الْحَقَّ ".

ــ

المتخيلة ثمرتها اختلاف [الصفات المتخيلة] (١) الدلالات.

وقد ذكر الكرمانى (٢) فى باب رؤية النبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: وقد جاء فى الحديث أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا رؤى شيخًا فهو عام سلم، وإذا رؤى شاباً فهو عام حرب. وكذلك أحد جوابهم عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لو رؤى آمرًا بقتل من لا يحل قتله، فإن ذلك من الصفات المستحيلة (٣) له لا المرئية. وجوابهم الثانى: منع وقوع مثل هذا. ولا وجه عندى لمنعهم إياه مع قولهم فى تخيل الصفات، فهذا انفصال، هؤلاء عما احتج به القاضى (٤). وللمسألة تعلق بغامض الكلام فى الإدراكات وحقائق متعلقاتها، وبسطه خارج عن طريقة هذا الكتاب.

قال القاضى: يحتمل معنى قوله: " فقد رآنى " و " فقد رأى الحق، فإن الشيطان لا يتمثل بى " إذا رؤى على الصفة التى كان عليها فى حياته لا على صفة مضادة لحاله، فإن رؤى على غيرها كانت رؤيا تأويل لا رؤيا حقيقة، فإن من الرؤيا ما يخرج على وجهه، ومنها ما يحتاج إلى تأويل وعبارة.

قال بعضهم (٥): خص الله نبيه بعموم صدق رؤياه كلها، ومنع الشيطان أن يتمثل فى صورته؛ لئلا يتذرع بالكذب على لسانه فى النوم، ولما خرق الله العادة للأنبياء دليلاً على صحة حالهم فى اليقظة، واستحالة تصور الشيطان على صورته فى اليقظة ولا على صفة مضادة لحاله؛ إذ لو كان ذلك لدخل اللبس بين الحق والباطل، ولم يوثق بما جاء من جهة النبوة مخافة هذا التصور، فحمى الله حماها لذلك من الشيطان وتصوره ونزغه وإلقائه وكيده على الأنبياء، وكذلك حمى رؤياهم أنفسهم ورؤيا غير النبى للنبى عن تمثيل الشيطان بذلك لتصح رؤياه فى الوجهين، ويكون طريقاً إلى علم صحيح لا ريب فيه.


(١) غير موجودة فى ح، وضرب عليها بخط فى ز.
(٢) هو إبراهيم بن عبد الله بن محمد الكرمانى الأصبهانى، المشهور بابن خرشيد، ولد ٣٠٧ هـ، ودخل بغداد ٣٢١ هـ، وعاصر الهدى وفسر له الرؤية، وله كتاب فى الرؤية. انظر: السير ١٧/ ٦٩، العبر ٢/ ١٩٦، نزهة الألباء فى طبقات الأدباء - ترجمة أبى بكر بن الأنبارى.
(٣) فى ح: المتخيلة.
(٤) هو أبو بكر الباقلانى.
(٥) منهم: ابن بطال فى شرح البخارى ٤/ ق ٢١٤، ك التعبير.

<<  <  ج: ص:  >  >>