للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا نُطِيقُها. قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا؟ بَلْ قُولُوا: سَمِعْنَا وأطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإلَيْكَ الْمَصِيرُ ". قَالُوا: سَمِعْنَا وأطَعْنَا غُفْرَانَك ربَّنا وإلَيْكَ الْمَصِيرُ، فَلَمَّا اقْتَرَأهَا الْقَوْمُ ذَلَّتْ بِهَا ألْسَنَتُهُمْ، فَأنْزَلَ اللهُ فِى إثْرِهَا: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بَاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (١) فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا اللهُ تَعَالَى. فَأنْزَل اللهُ عَزَّ وَجَلّ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (٢) قَالَ: نَعمْ {رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا} قَالَ: نَعم {رَبَّنَا وَلا تحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} قال: نعم {وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} قَالَ: نَعم.

ــ

ذلك نسخ، ففى النسخ ها هنا نظر؛ لأنه إنما يكون النسخ إذا تعذر البناء ولم يكن ردُّ إحدى الآيتين إلى الأخرى.

وقوله: {وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّه}: عموم يصح أن يشتمل على ما يُملَكُ من الخواطر وما لا يُمْلك، فتكون الآيةُ الأخرى مخصصة، إلا أن يكون فهم الصحابة بقرينة الحال أنه تقرر تعبدهم بما لا يُملك من الخواطر، فيكون حينئذ نسخًا لأنه رفع ثابت مستقر.

قال القاضى: لا وجه لإبعاد النسخ فى هذه القضيَّة، وراويها قد روى فيها النسخ ونص عليه لفظًا ومعنى بأمر النبى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهم بالإيمان والسمع والطاعة لما أعلمهم الله من مؤاخذته لهم، فلما فعلوا ذلك وألقى الله الإيمان فى قلوبهم وذلت بالاستسلام لذلك ألسنتهم - كما نصَّ فى الحديث نفسه - رفع الله الحرج عنهم، ونسخ هذه الكلفة بالآية الأخرى، كما قال. وطريق علم النسخ إنما هو بالخبر عنه أو بالتاريخ، وهما مجتمعان فى هذه الآية، وقول الإمام - رحمه الله -: إنما يكون النسخ إذا تعذر البناء، كلام


= مأمور بفعل الغير.
قال: والمختار استحالة التكليف بالمحال للطلب كقوله تعالى: {قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا} [الإسراء: ٥٠] وكقوله: {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [البقرة: ٦٥] فكان التكليف هذا للتعجيز. فالطلب به ممتنع لمعناه، إذ معنى التكليف طلب ما فيه كلفة، والطلب يستدعى مطلوبًا. وذلك المطلوب ينبغى أن يكون مفهومًا للمكلف بالاتفاق، والتكليف اقتضاء طاعة ". المستصفى ١/ ٨٧.
(١) و (٢) البقرة: ٢٨٥، ٢٨٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>