للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْعِلْمَ إِلَيْهِ، فَأَوْحَى اللهُ إِلَيْهِ: أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِى بِمَجْمَعِ الْبحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ. قَالَ مُوسَى: أَى رَبِّ، كَيْفَ لِىَ بِهِ؟ فَقِيَل لَهُ: احْمِلْ حُوتًا فِى مِكْتَلٍ، فَحَيْثُ تَفْقِدُ الْحُوتَ فَهُوَ ثَمَّ. فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقَ مَعَهَ فَتاهُ - وَهُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ - فَحَمَلَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلامُ - حُوتًا فِى مِكْتَل، وَانْطَلَقَ هُوَ وَفَتَاهُ يَمْشِيَانِ، حَتَّى أَتَيَا الصَّخْرَةَ، فَرَقَدَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلامُ - وَفَتَاهُ، فَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِى الْمِكْتَل، حَتَّى خَرَجَ مِنَ الْمِكْتَلِ، فَسَقَطَ فِى الْبَحْرِ ". قَالَ: " وَأَمْسَكَ الله عَنْهُ جِرْيَةَ الْمَاءِ حَتَّى كَانَ مِثْلَ الطَّاقِ، فَكَاَنَ لِلحُوتِ سَرَبًا، وَكَانَ لمُوسَى وَفَتَاهُ عَجَبًا، فَانْطَلَقَا بَقيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلتَهمَا، وَنَسِىَ صَاحِبُ مُوسَى أَنْ يُخْبرَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلامُ - قَالَ لِفَتَاهُ: {آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} " (١) قَالَ: " وَلَمْ يَنْصَبْ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِى أُمِرَ بِهِ ". قَالَ: {أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إلاَّ الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا} (٢). قَالَ مُوسَى: {ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} (٣). قَالَ: " يَقُصَّانِ

ــ

أعلم منه، فيكون المحمل أنه أراد: أنا أعلم فيما يظهر لى، ويقتضيه شاهد الحال، ودلالة نبوته - عليه الصلاة والسلام - لأنه كان من النبوة بالمكان الرفيع والعلم من أعظم المراتب، فقد يعتقد أنه أعلم الناس لهذه الجهة، وإذا كان قوله: " أنا أعلم " مراده به فى اعتقادى لم يكن خبره به كذباً.

وقد اضطرب العلماء فى الخضر، هل هو نبى أم لا؟ واحتج من قال بنبوته بقوله: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} (٤)، فدل على أن الله - عز وجل - يوحى (٥) إليه بالأمر وهذه النبوة. وفصل الآخرون عن هذا بانه يحتمل أن يكون نبى غيره أمره بذلك عن الله تعالى، وقصارى ما فى الآية أنه ما فعله عن أمره، ولكن إذا كان المراد عن أمر الله تعالى فمن المبلغ له ليس فى الآية تعيين فيه، وقد يحتج بنبوته بكونه أعلم من موسى، ويبعد أن يكون الولى أعلم من النبى.

وقوله: " عتب الله عليه ": يشبه أن يراد به أنه لم يرض قوله شرعاً وديناً. وأما العتب بمعنى المؤاخذة وتغير النفس، فلا يجوز على الله - سبحانه.

قال القاضى: وقيل: إن مراد موسى بقوله: " أنا أعلم " بما تقتضيه وظائف النبوة،


(١) الكهف: ٦٢.
(٢) الكهف: ٦٣.
(٣) الكهف: ٦٤.
(٤) الكهف: ٨٢.
(٥) فى ح: أوحى.

<<  <  ج: ص:  >  >>