للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

آثارَهُمَا، حَتَّى أَتَيَا الصَّخْرَةَ، فَرأَى رَجُلاً مُسَجى عَلَيْهِ بِثَوْبٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى. فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ: أَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلامُ؟ قَالَ: أَنَا مُوسَى. قَالَ: مُوسَى بَنِى إِسْرَائِيلَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: إِنَّكَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ الله عَلَّمَكَهُ الله لا أَعْلَمُهُ، وَأَنَا عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ الله عَلَّمَنِيهِ لا

ــ

وأمور الشريعة وسياسة الأمة، والخضر أعلم منه بأمور أخر مما لا يعلمها أحد إلا بإعلام الله، من علوم غيبه بالقصص المذكورة فى خبرها، وكان موسى أعلم على الجملة والعموم بما تقدم مما لا يمكن جهل الأنبياء لشىء منه، والخضر أعلم على الخصوص بما أعلم من محنات الغيب، وحوادث القدر، وقصص الناس مما لا يعلم منه الأنبياء إلا ما أعلموا به، مما استأثر الله به من غيبه، وما قدره وسبق فى علمه مما كان، ويكون فى خلفه؛ ولذلك قال الخضر فى الحديث: " أنت على علم من علم الله علمكه لا تعلمه " (١)، ألا تراه كيف لم يعرف أنه موسى نبى بنى إسرائيل [حتى عرفه بنفسه أفلم يعرفه الله به، وهذا مثل قول نبينا - عليه السلام] (٢): " إنى لا أعلم إلا ما علمنى ربى "، وقد قال تعالى: {وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَدُنَّا عِلْمًا} (٣).

وقيل فى قوله: " وعتب الله عليه ": أى [إذ] (٤) لم يرد العلم إليه كما ردته الملائكة لقولهم: {لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا} (٥)، ولئلا يقتدى به غيره فى تزكية نفسه، والعجب بحاله فيهلك.

وقيل: كان موسى أعلم من الخضر فيما أخذ عن الله، والخضر أعلم فيما دفع إليه موسى، وقيل: إنما ألجئ موسى إلى الخضر للتأديب لا للتعليم.

وفى حديث الخضر وموسى جواز إخبار الرجل عن نفسه بالفضل والعلم، إذا احتاج إلى ذلك لمعنى دينى، أو لمصلحة دنيوية، لا ليقصد به الفخر والكبر، كما قال - عليه الصلاة والسلام -: " أنا سيد ولد آدم ولا فخر " (٦)، وكما قال: " أنا أتقاكم لله، وأعلمكم بما اتقى، وأشدكم له خشية " (٧).

ومعنى " يعتب الله عليه ": أى وأخذه به وعنفه عليه. وأصل العتب: المؤاخذة، يقال منه: عتب عليه إذا واخذه بذلك، وذكره له، قيل: عاتبه.


(١) البخارى، ك بدء الخلق، ب أحاديث الأنبباء، حديث الخضر مع موسى ٤/ ١٨٩.
(٢) فى هامش ح.
(٣) الكهف ب ٦٥.
(٤) من ح.
(٥) البقرة: ٣٢.
(٦) سبق فى أول الكتاب، حديث رقم (٣).
(٧) انظر: البخارى، ك الإيمان، حديث رقم (٢٠) بالفتح، وهو فى مسلم فى ك الصيام حديث رقم (٧٤) وك الفضائل حديث رقم (١٢٧، ١٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>