للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(١٥) بَاب تَحْرِيمِ الظُّلْمِ

٥٥ - (٢٥٧٧) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بَهْرَامَ الدَّارِمِىُّ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ - يَعْنِى ابْنَ مُحَمَّدٍ الدِّمَشْقِىَّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِى إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِىِّ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنْ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى - أَنَّهُ قَالَ: " يَا عِبَادِى، إِنِّى حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِى وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا. يَا عِبَادِى، كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِى أَهْدِكُمْ. يَا عِبَادِى، كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِى أُطْعِمْكُمْ. يَا عِبَادِى، كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِى أَكْسُكُمْ. يَا عِبَادِى، إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ

ــ

وقوله تعالى: " يا عبادى، إنى حرمت الظلم على نفسى " الحديث، قال الإمام: معنى قوله: " حرمت الظلم على نفسى ": أى تقدست عنه وتعاليت، والظلم مستحيل منه سبحانه وتعالى جده؛ لأنه إنما يكون إذا تعديت الحدود وتجوزت المراسم، والبارى - جلت قدرته - ليس فوقه أحد يحد له حداً أو يرسم له رسماً، حتى يكون متجاوزاً لذلك ظالماً، ولا فوقه من يستحق أن يطيعه حتى يحلل له الحلال ويحرم عليه الحرام، ولكن تحريم الشىء يقتضى المنع منه والكف عنه، فسمى البارى تقدسه عن الظلم بهذا اللفظ فقال: " حرمت على نفسى الظلم ".

أما قوله: " يا عبادى كلكم ضال إلا من هديته " فكان ظاهره أن الناس على الضلال يُخلقون إلا من هداه الله - سبحانه - وقد ذكر فى الحديث أنهم على الفطرة مولدون، وقد يراد بهذا [هاهنا] (١): وصفهم بما كانوا عليه قبل بعثة النبى - عليه الصلاة والسلام - إليهم، أو إنهم إن تركوا وما فى طباعهم من إيثار الراحة وإعمال النظر ضلوا، إلا مَنْ هداه الله - سبحانه.

وظاهر هذا يطابق مذهب الأشعرية؛ فى قولهم: إن المهتدى بهدى الله اهتدى، وأنه - سبحانه - إنما أراد هداية مَنْ اهتدى مِنْ خلقه خاصة. والمعتزلة تقول بأنه - سبحانه - أراد من سائر الخليقة أن يهتدوا، ولكن منهم من استحب العمى على الهدى.

وقوله - عليه الصلاة والسلام - هاهنا: " كلكم ضالٌ إلا مَنْ هديته " فجعل من هداه


(١) فى ز: هنا، والمثبت من ح.

<<  <  ج: ص:  >  >>