للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(١٨) بَاب النَّهْيِ عَنْ السِّبَابِ

٦٨ - (٢٥٨٧) حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ وَقُتَيْبَةُ وَابْنُ حُجْرٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ - يَعْنُونَ ابْنَ جَعْفَرٍ - عَنْ الْعَلَاءِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " الْمُسْتَبَّانِ مَا قَالَا، فَعَلَى الْبَادِئِ، مَا لَمْ يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ ".

ــ

وقوله: " المستبان ما قالا، فعلى البادئ، ما لم يعتد المظلوم ": أى يجاوز القدر الذى قال الآخر له، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِى السَّبْتِ} (١) قيل: جاوزوا المقدار الذى حد لهم. فيه جواز الانتصار من الظالم، وقد قال تعالى: {وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ} (٢)، وقال: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ البَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} (٣) قيل: هذا على ظاهره، والآية محكمة والانتصار من الظالم محمود حسن وقيل: نسختها آية السيف، فهى منسوخة، وأبعد بعضهم النسخ فى مثل هذا، قال: لأنه خبر ولا يبعد النسخ فيه؛ لأنه وإن كان خبرًا لمدح من هو بهذه الصفة، فقد حض على العمل بها قوله، ثم [نسخ ذلك] (٤)، وأن الخبر الذى لا يدخله النسخ فهو ما كان خبرًا عن شىء وقع وأمر كان لا مثل هذا. ومع هذا كله فالعفو والصفح أفضل، قال الله تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} (٥)، وقال: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} (٦) وقال - عليه الصلاة والسلام - فى الحديث بعد هذا: " ما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا " (٧) وسباب المؤمن فسوق محرم كما قال - عليه السلام -.

جعل هذا الإثم على البادئ إذا لم يتعد الثانى، ومعناه: أن الثانى رد عليه مَنْ سبه مثله ما لم يتعدى إلى غيره من سلف، وإنما سبه فى نفسه بمثل ما سبه به ونحوه، مما هو أيضاً غير بهتان ولا كذب. وقد يكون التعدى الذى منع منه هذا من ذكر ما لا يباح له ذكره بحال من سبه بكذب وبهتان، وإن كان الأول قد رماه به، أو من ذكر سلفه وغير نفسه فى سبه، أو بالزيادة فى نوع سبه، وإن كان مما قد يجوز سب المربى عند التأديب كالأحمق والجاهل والظالم؛ لأن أحدًا لا ينفك من بعض هذه الصفات إلا الأنبياء والأولياء فهو إذا كافأه بسبه فلا حرج عليه، وبقى الإثم على الأول بابتدائه وتعرضه (٨) لذلك. وقد يقال: إنما يرتفع عنه حق صاحبه وتباعته، ويبقى حق الله - تعالى - فى تعديه لعرض أخيه. وقد يقال: إن الإثم يرتفع بانتصاف هذا منه، ويكون قوله: " على البادئ ": أى اللوم والذم لتعرضه لذلك.


(١) البقرة: ٦٥.
(٢) الشورى: ٤١.
(٣) الشورى: ٣٩.
(٤) فى هامش ح.
(٥) الشورى: ٤٣.
(٦) النور: ٢٢.
(٧) حديث رقم (٦٩) بالباب التالى.
(٨) فى ح: ولتعرضه.

<<  <  ج: ص:  >  >>